د. فهد صالح عبدالله السلطان
أشرنا في المقال السابق إلى أن مخرجات أي كيان تعتمد على محورين أساسيين: حجم الموارد المتوفرة وطبيعتها من جانب وإدارتها من جانب آخر. وبالتالي فإن قدرتنا على الحفاظ على مواردنا الطبيعية وتوظيفها التوظيف الأمثل بما يعود على الأجيال الحالية والقادمة بالأمن والرفاه يتطلب حسن إدارتها وترشيد استهلاكها.
من المؤسف أن الأرقام والإحصاءات تشير إلى هدر ملموس في مواردنا الطبيعية،. حيث تشير الإحصاءات إلى أن المواطن السعودي يحتل مركزاً متقدماً جداً في استهلاك الكهرباء والماء، وأن متوسط استهلاك الفرد في السعودية من الطاقة الكهربائية يعادل ضعف المتوسط العالمي وبمعدل نمو سنوي يصل إلى أكثر من 5 %.
في قطاع المياه أيضا تجاوز استهلاك الفرد في السعودية نسب استهلاك نظيره في الدول الغنية بالموارد المائية بأكثر من 100 %، حيث، يصل استهلاك الفرد للمياه أكثر من الضعف مقارنة بالدول الأخرى. وتشير الدلائل الإحصائية إلى أن استهلاك المملكة للمياه في العام الواحد وبحسب الدراسات يعادل 20 مليار متر مكعب بشتى الاستخدامات، حيث تستهلك المملكة يومياً 2.8 مليون صهريج، 70 % منها من غير المصادر الجوفية المتجدده.
أما في مجال الوقود فإن الدلائل الإحصائية تشير إلى أن السعودية تحتل المرتبة الثالثة في آسيا في استهلاك البنزين بعد الصين التي يزيد سكانها عن ألف وثلاثمائة وستين مليون نسمة واليابان البلد الصناعي الذي يبلغ عدد سكانه مائة وثلاثين مليون نسمه. قد يكون السبب الرئيس وراء الإسراف في هدر الموارد هو تدني تكلفتها على الجميع بسبب الدعم الحكومي الذي يشمل الفقير والغني.
ومن جانب آخر يلاحظ تدني مستوى جودة تنفيذ كثير من المشروعات الحكومية وتدن في مستوى تنسيق تنفيذها. وكمثال على ذلك، يلاحظ الجميع أنه يتم حفر وإعادة حفر وسفلتة الشارع الواحد عدة مرات بسبب سوء التنسيق أو الإدارة أو أسباب أخرى. الأمر الذي يعني أننا أنفقنا ثلاثة أضعاف المبلغ المقدر لتغطية تكاليف ذلك المشروع. وعليك أن تقيس على ذلك، الهدر في بقية القطاعات والمشروعات.. أي أنه يجب أن يكون حجم الميزانية المقدرة ثلاثة أضعاف تكاليف القيمة الفعلية للمشروعات المنفذة.
والهدر كما هو معروف قد يعود لعدم التنسيق أو تدني مستوى الجودة او الفساد أو كلها مجتمعة (الكفاءة). وقد يعود الهدر لتنفيذ مشروعات غير أساسية ولا تقع ضمن أهدافنا ولا تصب في برامج التنمية (الفاعلية). المهم هنا أن أرقام الميزانية ليست كل شيء ويجب أن لا ننشغل بها عن آلية تنفيذها.
حان الوقت لإعادة النظر في منهج الإدارة التنفيذية. وفي آلية الإعانات الحكومية على السلع والخدمات والعمل على قصرها على المستحقين فقط. وحرصاً على الإفادة من هذا الطرح وتلافياً للتنظير، ولأن تحديات المرحلة والظروف الاقتصادية الحالية من جانب، ومتطلبات الأجيال القادمة من جانب آخر تستلزم إعادة النظر في إدارتنا لمواردنا وفي سلوكياتنا الاقتصادية على كافة المستويات الحكومية والاجتماعية والفردية، ولما عرف عن قائد مسيرتنا الملك سلمان وفقه الله من حزم ورغبة واضحة في التطوير والإصلاح.
فإنني اقترح اتخاذ خطوات عملية عاجلة وجادة للحد من الهدر واستنزاف الاعتمادات والمخصصات، و تنفيذ المشروعات وتقديم الخدمات العامة بالجودة والتكلفة والسرعة المناسبة وذلك بتأسيس برنامج وطني تحت مسمى برنامج الملك سلمان لتطوير أداء الأجهزة العامة بحيث تشمل مهامه المبادرات التالية:
1- إعادة صياغة أهداف وزارة الخدمة المدنية ومسماها بحيث تصبح وزارة التنمية والتطوير الإداري وتكون مسؤولة عن وضع ورسم المنهج الإداري للأجهزة التنفيذية بما يتلاءم ومستجدات المرحلة ومتابعة تطبيقة.
2- مطالبة الجهات الحكومية بإصدار تقرير علني ربع سنوي عن مراحل تنفيذ المشروعات المعتمدة في ميزانياتها يبين الموقف المالي والفني لمسار كل مشروع، وينشر على موقعها الرسمي.
3- مطالبة الجهات الحكومية بإصدار تقرير علني ربع سنوي يبين مستوى تقديم الخدمات المناطة بها من حيث الجودة والسرعة والشمولية.
4- مطالبة كافة الجهات الحكومية بانشاء (إدارة مشروعات) (PMO). تكون مسؤولة عن مسار تنفيذ المشروعات المعتمدة بالتكلفة والجودة والسرعة المطلوبة.
5- صياغة معايير علمية عملية (KPI) لقياس تقدم العمل وكفاءة اداء تنفيذ المشروعات والزام الجهات الحكومية باتباعها.
6- تأسيس هيئة عليا لتنسيق تنفيذ المشروعات الحكومية أو تكليف أحد الجهات الحالية بذلك.
7- إعادة النظر في أهداف وبرامج وآلية عمل هيئة مكافحة الفساد، وتعزيز دورها في الحد من الهدر المالي وسوء تنفيذ المشروعات والتأكد من قيامها بالخدمات العامة وبالدور الذي أسست من أجله.
8- إعادة هيكلة إدارة الميزانية العامة بما في ذلك تخصيص الاعتمادات لمشروعات وبرامج القطاعات المختلفة بحيث يتم تخصيصها بطريقة منهجية تقوم على مبدأ تحديد اولويات البرامج والمشروعات وصولاً إلى تنمية متوازنة.
9- إعادة هيكلة الإعانات الحكومية بحيث تقتصر على ذوي الحاجة فقط ووضع الآلية المناسبة لذلك.. وهناك عدة آليات لتحقيق ذلك. أي أننا لا نحتاج لإعادة اختراع العجلة.
10- استخدام المبالغ المتوفرة من جراء الخطوة 8 لتوسيع دائرة الخدمات الصحية والتعليمية... إلخ وتطويرها.
والله الهادي إلى سواء السبيل،،،