د. فهد صالح عبدالله السلطان
في المقالين السابقين تم مناقشة التجربة في بعدها الاقتصادي والصناعي وتم التوصل من خلال الأرقام والدلائل الإحصائية إلى ضرورة الإفادة من التجربة في رسم الاستراتيجية الصناعية الوطنية بشكل خاص والاقتصادية بوجه عام. اليوم سنناقش التجربة من أبعاد أخرى بما في ذلك تمكين الشباب وتوطين الوظائف والإدارة المحلية وغيرها.
من الأمور التي استوقفتني عند قراءتي لتجربة الهيئة هي قدرتها على المواءمة بين مخرجات برامج التعليم والتدريب لديها وبين حاجة سوق العمل في مدينتيها!! تفيد البيانات والدلائل الإحصائية أن معظم إن لم يكن كل المتدربين في معاهد الهيئة وكلياتها يجدون وظائف حال تخرجهم. لا شك أن توفر المصانع الكبيرة وتعددها يسهل عملية التوظيف، ولكن جودة التنسيق بين قطاع الأعمال والقطاع التدريبي والتعليمي كان عاملا أساسيا في مواءمة مخرجات برامج تمكين الشباب وتوظيفهم، ذلك التنسيق الذي تعززه وحدة المرجعية ووحدة الرؤية والتوجه والهدف.
منذ خمس سنوات تقريبا قمت ومجموعة من الزملاء بزيارة لمدينة دبي لللإطلاع على التجربة التنموية فيها وقد تلاحظ لي أن السر الأهم وراء ما تحقق من نجاحات يعود بعد الله لوحدة الرؤية والتوجه والهدف بين كافة القطاعات المسؤولة عن التنمية والخدمات العامة وبينها وبين القطاع الخاص. نفس الخاصية التي تميز الهيئة الملكية. المتتبع للإدارة المحلية في الجبيل وينبع يلاحظ وحدة في الرؤية ووحدة في التوجه تفضي إلى قوة في التنسيق ومهنية في التنفيذ. قلما تجد طريقا يتم حفره لأكثرمن مره، قلما تجد مبنا تم تجهيزه ولم يتم اشغاله بسبب تأخر إيصال الكهرباء أو الماء. والأهم من ذلك قلما تجد شابا قد تم تدريبه أو تعليمه ولم يجد عملا.
بقي الموضوع الأخير الذي آمل ان تتم قراءته بشكل مهني وهو موضوع الإدارة المحلية في الجبيل وينبع.
منذ بضع سنوات تلقيت دعوت رسمية للمشاركة كمتحدث رئيس في مؤتمر المملكة عام 2020 الذي أعده البنك الدولي مع وزارة الاقتصاد والتخطيط. وقد طلب مني أن اعد ورقة عن تطوير الإدارة المحلية (ارجوملاحظة أن المقصود هنا هو الإدارة المحلية وليست الحكومة المحلية) . تضمنت ورقتي آنذك وبناء على تحليل علمي وعملي أن يتم إعادة النظر في منهج الإدارة المحلية في عدة أبعاد على أن يتم دراسة البعد الرئيس وهو تخصيص الميزانية للمحليات على أسس ومعايير علمية عملية كعدد السكان والمساحة الجغرافية ومستوى الخدمات التي سبق تنفيذها ....آلخ ومن ثم يعطى للإدارة المحلية صلاحية توزيع المخصصات بين الخدات العامة المختلفة وفقا للأولويات . الأمر الذي سيساعد على موضوعية التخصيص ويرفع كفاءة الأداء ويعزز آلية التنسيق ويخفض تكاليف المشاريع والخدمات ويرفع مستوى جودتها.
تجربة الهيئة في الإدارة المحلية تجربة فريده في المملكة أثبتت في الحقائق والبراهين فاعليتها في إدارة الخدمات العامة بشكل مهني يقوم على تنسيق الجهود وجودة المخرجات وتخفيض التكاليف الكلية للأداء. هل من سبيل إلى الإفادة منها؟ ماذا لو تم تكرار التجربة أو تطبيقها في مدينتين أو ثلاث مدن متوسطة الحجم وذلك للوقوف على ما إذا كان بالإمكان الإفادة منها لاحقا على المستوى الوطني!؟
وباختصار، كل ما أردت أن أصل اليه في هذا الطرح هو أننا أمام تجربة ثرية امتدت على مدى أربعين سنة تضمنت مؤشرات هامة على الأبعاد الاقتصادية والإدارية والاجتماعية وعلى مستوى الهموم الوطنية كتوطين الوظائف والبنية التحتية والتدريب والتعليم والإسكان,,,الخ هي بالفعل تجربة جديرة بالدراسة والبحث.
اعتقد انه حان الوقت (خاصة ونحن في عهد زاهر يهتم بالتنمية والتطوير) للوقوف عليها والإفادة من مفاهيمها وآلياتها في تسريع تطوير برامج التنمية المختلفة على المستوى الوطني.
والله الهادي إلى سواء السبيل،،،،