د. فهد صالح عبدالله السلطان
في يوم الخميس الماضي تم طرح عدة أسئلة تتعلَّق بمدى فاعلية وكفاءة هذه التجربة الفريدة في مسار التنمية الوطنية وفي برامج تنويع القاعدة الاقتصادية وفي الإدارة المحلية وغيرها. وأشرنا إلى أنه حان الوقت للوقوف على التجربة بأبعادها الاقتصادية والإدارية والفنية والاجتماعية. وعمَّا إذا كانت قد حققت الأهداف التي أنشئت أساسًا من أجلها! واليوم دعونا نقف على التجربة في بعدها الاقتصادي ونستعرض بعض الأرقام والحقائق التي يمكن من خلالها التعرّف على أداء هذا الكيان ومدى أثره وتأثيره على مسار التنمية الاقتصادية والصناعية للمملكة. ولأن لغة الأرقام لا تكذب وهي أقرب للقبول من اللغات الأدبية الأخرى فسوف يكون التركيز على طرح الموضوع من خلال البيانات الإحصائية فقط، وأترك للقارئ الكريم استنتاج الفوائد العامة من التجربة.
تشير الدلائل الإحصائية إلى أن معدل العائد على الاستثمار في هاتين المدينتين وصل إلى 10 أضعاف. أي أن كل ريال استثمر في الهيئة الملكية عاد على الاقتصاد الوطني بما معدله عشرة ريالات. وأن المدينتين تسهمان فيما نسبته 12 في المائة من الناتج المحلي الوطني. الأرقام أيضًا تشير إلى أن الهيئة تسهم بما نسبته 65 في المائة من الناتج الصناعي للمملكة. وتسهم فيما نسبته 71 في المائة من إجمالي الصادرات الصناعية. والشيء المثير للدهشة ما تشير إليه الإحصاءات من أن 85 في المائة من إجمالي الصادرات السعودية غير النفطية تنتج في مدينتي الجبيل وينبع الصناعيتين!!! هذا الرقم (الأخير) يستحق من القارئ الكريم التوقف عنده.
الدلائل الإحصائية تشير أيضًا إلى أن الاستثمار في المدينتين ينمو بشكل متسارع، حيث بلغ معدل النمو خلال العشر السنوات الماضية 20 في المائة حتى أصبحت المملكة تحتل المرتبة العاشرة عالميًا في صناعة البتروكيماويات.
ما الذي تعنيه لنا هذه الأرقام من الناحية الاقتصادية؟ وما هو الدرس المستفاد؟ وهل يمكن أن تساعدنا هذه الدلالات الإحصائية في إعادة رسم خارطتنا الاقتصادية والصناعية المستقبلية على المستوى الوطني؟
أقول: بهذه الأرقام والإحصاءات، فإن التجربة جديرة بالتوقف عندها وبالاحترام والتقدير. ليس معنى هذا هو شكر القائمين عليها وإن كانوا بالفعل أهلاً للشكر، ولكن الأهم هو الإفادة منها في تسريع برامج تنويع القاعدة الاقتصادية الذي يمثّل هدفًا إستراتيجيًا للسياسة الاقتصادية للمملكة منذ الخطة الخمسية الأولى في السبعينيات الميلادية. ليس هذا فحسب، بل في برامج وآليات تنفيذ برامجنا الصناعية والاقتصادية المستقبلية. يقال إذا أردت النجاح والتقدم فما عليك إلا أن تقوم بتكرار نجاحاتك السابقة والبناء عليها. هل نحن فعلاً بحاجة إلى بناء مدن اقتصادية جديدة في الوقت الذي تتوافر لدينا تجربة فريدة مكتملة بلغت مرحلة النضج؟! أليس من الأولى أن نقوم بدراستها ومن ثم الإفادة من إيجابياتها وتلافي ما قد يكون فيها من سلبيات؟ لا ادّعي بأن هذه التجربة تمثّل حالة تخلو من النواقص، ولكنني أراهن على أنها أفضل مشروع اقتصادي صناعي وطني أسهم في تنويع القاعدة الاقتصادية وتحقيق الأهداف الإستراتيجية على مدى نصف قرن.
في الخميس القادم سوف نستعرض إن شاء الله الدروس الأخرى من هذه التجربة الثرية بما في ذلك تجربة الإدارة المحلية (local administration) وتجربة التعليم والتدريب والتوظيف.
فإلى اللقاء إن شاء الله..