د. فهد صالح عبدالله السلطان
أكثر من أربعين سنة مرت على واحدة من أهم وأكبر التجارب الصناعية والاقتصادية على المستوى الوطني وربما أكثرها أثرًا وتأثيرًا في برامج التنمية الاقتصادية في وطننا العزيز.
في اعتقادي أنه حان الوقت للوقوف على هذه التجربة الفريدة من نوعها، لا أقول في المملكة فحسب، بل على مستوى المنطقة العربية وربما الدول النامية بأسرها!
حان الوقت لإعداد دراسة مستفيضة مهنية عن الهيئة وعن مدينتيها في محاولة للإجابة على بعض التساؤلات التي تساعدنا على تحقيق طموحاتنا التنموية في تنويع القاعدة الاقتصادية وتوجيه برامج التنمية الاقتصادية وصياغة الإستراتيجية الصناعية. ثم في الإفادة من التجربة في أبعادها الأخرى كتطوير الإدارة المحلية وفي برامج التدريب والتوظيف.
هذه ليست في الواقع تجربة منطقة صناعية ولا خدمات بلدية ولا مدينة سياحية ولا منتجعًا صحيًا ولا مدينة جامعية. هي في الواقع كل هذه وأكثر مجتمعة، فهل هناك من درس مستفاد؟ هل حققت التجربة أهدافها التي رسمت في ذلك التاريخ؟ ما هو حجم القيمة المضافة التي تم تحقيقها خلال الأربعين سنة الماضية؟ هل ساهمت التجربة في خلق فرص عمل؟ وهل حققت السعودة بشكل مهني لا شكلي؟ هل عززت التجربة من التراكم المعرفي؟ هل ساهمت التجربة في توطين التقنية؟ هل ساهمت في تنويع القاعدة الاقتصادية؟
ثم إذا ما ثبت جدوى التجربة من خلال دراستها استنادًا إلى قانون التكلفة والعائد (cost- benefit analysis)، هل يمكن استنساخ التجربة في أماكن أخرى من وطننا العزيز؟ هل يمكن الإفادة من معطيات التجربة في صياغة الإستراتيجية الصناعية وفي رسم مسارنا الصناعي المستقبلي؟ بل هل يمكن الإفادة من التجربة في تطوير الإدارة المحلية بمفهومها العام؟ وفي التدريب وتأهيل القوى العاملة بل وتوطين الوظائف؟
المهم هنا أن الهيئة تمثل تجربة عملية بعيدة عن التنظير الأكاديمي والنظريات التي لم تر النور وبالتالي لا يمكن البناء عليها والإفادة منها.
قبل أن أشرع في كتابة هذه السلسلة من المقالات عن الهيئة حاولت أن استثمر بعض الوقت في الإطلاع عن كثب عمّا يدر في كلا المدينتين.
قرأت كثيرًا وقمت خلال الأسابيع الماضية بزيارة للهيئة الملكية في كل من الجبيل وينبع مع بعض الزملاء واستمعنا إلى عرض عن كل من التجربتين في محاور عدة بما في ذلك آلية العمل في كل منهما والعائد على الاقتصاد الوطني وخلق فرص عمل وتوطين الوظائف وتوطين التقنية وتنويع القاعدة الاقتصادية، وذلك من خلال أرقام وحقائق بعيدة عن الانطباعات العامة وعن الرأي العاطفي المجرد.
لعل بعد المدينتين عن الأضواء الإعلامية حد من التركيز على المخرجات الفعلية التنموية لكل منهما. خرجت من قراءتي المتواضعة بنتائج مذهلة ووجدت أنه من باب الأمانة عرضها أمام الجميع ليطلع عليها أصحاب القرار والمواطنون ومن يبحث عن الحقيقة من المهتمين من داخل الوطن وخارجه.
في الخميس المقبل سوف استعرض إن شاء الله بعض من هذه الأرقام والحقائق والدروس المستفادة منها.