د. فهد صالح عبدالله السلطان
لماذا تمثل البطالة الهم الأكبر على مستوى الأوطان والشعوب والاتحادات والمؤسسات فوق الأممية؟ ولماذا تركز الحكومات في دول العالم المختلفة على موضوع توظيف القوى العاملة؟ وهل من سبب وراء تركيز الاقتصاديين على خلق فرص عمل في الاقتصاديات الحديثة؟
قبل محاولة الإجابة على هذه الأسئلة وغيرها دعونا نتفق على معنى البطالة. يعرف العاطل عن العمل بأنه كل قادر على العمل وراغب فيه، ويبحث عنه، ولكنه لا يجد فرصة مناسبة للعمل. ومن هذا التعريف يمكن القول إن من يعمل عملاً يتقاضى فيه مرتبًا تحت خط الفقر أو يقل بشكل واضح عن القيمة السوقية لما يمتلكه من مهارات وقدرات عملية فإنه يقع داخل دائرة البطالة. وتعد المنطقة العربية من أكبر مناطق العالم في ارتفاع نسبة البطالة إِذ يصل معدل البطالة في الوطن العربي إلى 20 في المائة بينما يتراوح المعدل العالمي ما بين 6 إلى 7 في المائة. الأمر الذي قد يفسر كثيرًا من ظواهر حالة اللا استقرار الاجتماعي والأمني والسياسي في هذ الإقليم.
جوهر المشكلة هنا أن البطالة مرض متعدٍ وليس لازمًا. أي أن آثارها تتعدى محيط المشكلة ذاتها وتفضي إلى أمراض اجتماعية وسياسية واقتصادية وأمنية معقدة. تمثل فيها البطالة كرة الثلج التي كلما كبرت ازداد حجم وخطورة المعضلات الأخرى. وكأن البطالة رحم تنشأ وتترعرع فيه المشكلات الوطنية.
لقد وجد الباحثون (Austin Nichols، Josh Mitchell، and Stephan Lindner) عقب دراسة ميدانية مستفيضة أن البطالة تؤدي إلى معضلات اجتماعية متعدية خطيرة تتمثل في الأمراض النفسية والبدنية وارتفاع نسبة الوفيات وفقدن القيمة الاجتماعية وخسارة المفاهيم العلمية والمهارات العملية المكتسبة واهتزاز التكوين العائلي....الخ وهي أمراض يتعدى أثرها حدودها وينتج عنها آثار اجتماعية خطيرة أخرى وفي مقدمتها ارتفاع مستوى الجريمة واللا استقرار الاجتماعي.
وتتمثل الآثار الاقتصادية الناجمة عن البطالة على الاقتصاد الكلي في الخسائر الناتجة عن عدم استثمار رأس المال البشري في الإنتاج الكلي وتراجع العائد على الاستثمار في برامج التعليم والتدريب وتدني مستوى الإنتاجية وتراجع النمو الاقتصادي الذي بدوره يؤثر على مستوى الرفاه الاجتماعي....الخ.
وكأن هذه الدراسة الميدانية وغيرها تشير إلى أن البطالة هي أم الكبائر أو رحم المشكلات الاجتماعية والاقتصادية والأمنية في أي بلد.
وفي الواقع فإن آثار البطالة تتعدى ما تم ذكره أعلاه لمخاطر يصعب طرحها في مقال كهذا. قلما تجد مشكلة اجتماعية أو اقتصادية أو أمنية إلا ولها صلة مباشرة أو غير مباشرة بالبطالة. ونظرًا لازدياد عدد الخريجين من المؤسسات التعليمية في الداخل والخارج، وتزايد الداخلين الجدد لميدان العمل من غير الخريجين. فإن تحديات البطالة قد تزداد حدة في قادم الأيام.
ولذا فإنه يحسن بنا أن ننظر إلى قضية البطالة على أنها الهم الوطني الأول الذي يجب أن تدور في فلكه معظم برامج التنمية الوطنية وأن يتم التركير في برامج توطين القوى العاملة على حلول عملية بعيدة عن التنظير والمعالجات الشكلية، فبلدنا ولله الحمد بلد غني ومحدود السكان ويعيش في كنفه قرابة عشرة ملايين أجنبي.
وذكرت في عدة مقالات سابقة أن لدينا فرصًا للعمل لا تتوافر في أي بلد آخر وأن قطاع التجزئة لوحده - على سبيل المثال - يتضمن أكثر من مليون وثمانمائة ألف وظيفة. أي أن سعودة ثلث الوظائف في هذا القطاع لوحده تكفي لتشغيل كافة السعوديين العاطلين عن العمل.
اعتقد أن الأمر يتطلب إعادة النظر في المفهوم وفي الآلية فيما يتعلق بقضية البطالة وخلق فرص العمل وأن يكون موضوعها هو الهم الوطني الأول.
والله الهادي إلى سواء السبيل..