ناصر الصِرامي
كل الصور والأصوات تتلاشى، إلا ذلك الرذاذ الهابط على شوارع لندن، في أجمل الليالي اعتدالاً، كان المطر وسعود وانا نتجول في مدينة نحاول اكتشاف ملامح جمالها في زيارة اولى، في منتصف التسعينات الميلادية، لم يكن هناك مدينة تشبه لندن في اعلامييها ومثقفيها، كانت هي الواجهة والوجهة العربية!
بمثل ذلك الرذاذ الجميل الذي يغسل المدن اتذكر سعود الصديق والزميل الاخ، الذي مر كالنسمة الهادئة على كل من عرفه، نادرا ان تجد شخصاً قليل الصخب، وبسيرة مهنية لا يشوبها عداوات، وذكرى طيبة مع كل من عمل معه وشاركه الزمالة والمهنة، ذلك كان الاستثنائي سعود الدوسري.
ليتك تطل علينا للحظة اخيرة، لترى حجم الحب الذي زرعت، حجم الود الذي نثرت،حجم الطيبة التي ابقيت.
وهذا الكم من المشاعر النبيلة التي رعيت، ليتك يا سعود تمنحنا فرصة اخيرة لنقل ما لم نقله في حياتك!
تعود معرفتنا، الى وقت مبكر، وقبل ان يحلق في فضاء المهنة، كأبرز وجه وصوت إعلامي سعودي في جيله، معرفتنا تعود للبدايات الاولى،حين لمس باب الاعلام، واتجه للتلفزيون السعودي، لكن لسبب غير مفهوم قبل في الإذاعة السعودية، وليس التلفزيون، وحول الى إذاعة القرآن الكريم.
التقينا في الجامعة بقسم الاعلام بجامعة الامام، في السنة الاولى مع عدد من أسماء حلقت الان في مجال الاعلام والعلاقات العامة في المملكة، سعود حينها جذبته لندن بقوة، تركنا وكنا ذلك الرحيل الاول. الى محطة ام بي سي اف ام الإذاعية، اول محطة تغطي موجاتها القصيرة البلاد،كل من كان حاضراً تلك المرحلة يتذكر انه كان النجم اللامع فيها، المميز حضورا، كان اعلامي المرحلة.
عاد الى الرياض لينضم الى شبكة اوربت مقدما برنامجا متنوعا في قضاياه واهتماماته وسقفه، وكنت وقتها قد انتقلت لدبي، لكن اللقاء لم ينقطع في مناسبات عامة وخاصة في بيروت ودبي والقاهرة والرياض وجدة، ودبي طبعا التي احتضنت لقاءنا الأخير، لقاء اتفقنا على لقاء لم يتم.. جاء الخبر الصدمة، ليكشف حجم التقصير الذي نبديه اتجاه الاصدقاء والاحبة دون ان نشعر!
قلب سعود الطيب توقف، ورغم ان هذا القلب الصافي بالصداقة والتفاؤل والمحبة والبهجة، قلبه كان يتعبه، لكنه قليل الشكوى، مترفع عن الصغائر والضغائن ايضا.
لست هنا أرثي صديقا وعزيزا، لكني ايضا ارثي شخصا اعلاميا عصاميا، استطاع ان يجعل جيلا كاملا من السعوديين يفكرون في الاعلام خارج التلفزيون الحكومي والتقليدي.
كان من اول من ترقبوا تغير المهنة وفضاءاتها الجديدة، وقبل سعود لم يكن الاعلاميون السعوديون يفكرون اكثر الا في الصحف التقليدية او الاعلام الرسمي، غير المتاح الا لقلة -، هو من اوائل الذين حققوا قفزة طويلة في الاعلام المسموع والمرئي ولا شك.. ومن تلك البدايات التي كانت فيها الوسائل محدودة..!
لم يتوقف عن التجربة الإعلامية، لذا طاف كل المحطات الفضائية من ام بي سي، اوربت، روتانا، ولكل تجربة كان له لون ومحتوى مختلف.. وفي كل تجربة كان يترفع عن الصراعات بابتسامة ثابتة... من النادر ان لا يشعر من التقى به انه من النوع الذي ترغب ان يكون صديقك، رحمك الله ياصديقي وصديق الجميع، اغفر تقصيرنا في صداقتك، غفر الله لك.