ناصر الصِرامي
.. وسنكرر سؤالاً طالما أعدنا طرحه، وسنعيده بلا ملل، منذ أحداث الحادي عشر من سبتمبر، بل ومنذ بزوغ نجم القاعدة قبل ذلك، وضربها لمدننا ومنشآتنا الحيوية، وقتل المدنيين وإراقة الدماء في شوارعنا. وفيما كانت المنابر وبعض التجمعات تُمارس ليونة مشبوهة أو غير مقدرة لواقع خطر يهددنا جميعاً.
هل نحن جادون فعلا في محاربة عدونا الأول.. الإرهاب؟، هل حربنا شاملة معه، وهل وصلت أو اقتربت من عمق عقيدة الإرهاب؟.
الإنجازات الأمنية في مواجهة الإرهاب منذ البدايات الأولى مفخرة تستحق الإشادة دوما، والقدرات الأمنية السعودية سجلت اعترافات دولية كبرى، بل وساهمت بتفوق في إحباط محاولات إرهابية في دول شقيقة وصديقة، إلا من ظل في صدارة منجزاتنا الوطنية.
كل ما تحقق في مواجهة الإرهاب المتطرف الإجرامي، من جهيمان مروراً بالقاعدة، ووصولاً لداعش يبقى الأمن وسامنا الوطني الثابت. فقد نجحت المنظومة الأمنية بتفوق، مرة بعد مرة، في تفكيك خلايا إرهابية قاتلة ولاتزال.كما نجح إلى حد معقول تجفيف منابع الدعم المادي عبر تقنين التبرعات والتدفقات المالية النقدية التى تسهم بشكل مباشر وغير مباشر في عون الإرهاب وتمويله، صحيح أن هناك جهدا كبيرا لايزال في الطريق، لكن من الواضح أن هناك حزما على كل المستويات لخنق كل السبل التى يتسرب منها المال للجماعات الإرهابية ودعم أنشطتها العدوانية.
إلا أن محاور «المواجهة الفكرية» الأخرى هي محل السؤال والإثارة دوما، هناك تشويش وتلون في المسار الفكري لمقاومة الإرهاب، وهناك جهد مضاد ومُريب للحد من كل فكرة أو مسار يكافح منابع الإرهاب الفكرية ومصادره.
لايمكن رؤية مشروع وطني كبير على المستوى الفكري يضاهي أو يجاري أو يقترب من الأمني، وهو ما يظهر من خلال تناقض القرارات أو لنقل الرؤية لدى أكثر من جهاز حكومي معني، مثل الشؤون الإسلامية والتعليم، وغياب مجلس الشورى الموقر..إلخ..
تساهل أو تناقض يجعلنا نؤكد أنه لا يوجد مشروع فكري بالمعنى الشامل على مستوى البلاد موحد في الاتجاهات والإستراتيجية والقرار.
في قصة التفاوت هذه، - من المحير - مثلا، كيف استطاعت وزارة الشئون الإسلامية ضبط المنابر والمساجد تدريجيا لتكون أبعد عن الأدلجة والتطرف والاستغلال الحزبي ونحوها، بشكل أقل بكثير عن الماضي القريب. فيما تعيد وزارة التعليم خطوات للوراء عبر بدايات غير موفقه لانتقاء من يقومون بمهمة الأمن الفكري!، رغم ذلك الزخم الكبير لوزارة تجمع تعليم البنات والتعليم العام والتعليم العالي بكل جامعاته ومؤسساته..ويتوفر لها من المراكز الأكاديمية والأساتذة ما لم يتوافر لأى قطاع آخر، لكنها غائبة أو مغيبة.
كما رفض قانون للوحدة الوطنية، يجرم العنصرية والتفرقة والكراهية والتكفير، ويعزز اللحمة، من قبل مجلس الشورى، الغائب هو أيضاً عن أكبر حروبنا المستمرة والطويلة..الحرب على الإرهاب..
نماذج لتناقضات مواجهتنا الفكرية في صورتها. الأشمل. مع الإرهاب وفكره ومنابعه، وضع مربك يجعل المطالبة بهيئة وطنية متنوعة الأطراف وتحت مظلة وزارة الداخلية -مثلا- تقوم بتصويب القرارات المتناقضة وغير الموفقة، بل وتوجيهها، حاجة ماسة لحفظ الأمن الوطني الفكري على المستوى القصير والمتوسط والطويل. كما تقطع الطريق أمام أى اجتهادات فردية غير موفقة، أو ذات بعد شخصي قصير الرؤية!
وجود مظلة لخطة أشمل للجهد الفكري الطويل ورسم استراتيجيته، سيعني أيضا مراجعة للآليات الحالية بما فيها برنامج المناصحة، والتركيز على الإعلام، وحفظ التعليم من الاختراق المعروف- ليركز على مهمته الأساس، التعليم ونشر العلم، نحو فتح أبواب المستقبل بعيداً عن الاستعراضات الوقتية التى لن تغني الأجيال، ولن تسمن المناهج الحقيقية.
المواجهة الفكرية قصة أو معركة حقيقية لا يفترض أن ننظر إليها بتهاون أو تساهل، بل هي صلب المواجهة مع الارهاب، وبالتالي لابد من متابعة أدق التفاصيل وتفحصها، وإتاحة مساحة أوسع لتنوع فكري وثقافي حقيقي، لا العودة الى أساليب سبق وأن أسهمت بشكل مباشر وغير مباشر في التمهيد لعقيدة الإرهاب وإعادة نشرها..!