ناصر الصِرامي
نردد أن الحرب على الإرهاب طويلة، وأننا سنواصل هذه الحرب حتى دحر آخر إرهابي. وهو أمر مهم وإستراتيجي يحب ألا نتردد فيه، آخر صدمات الهجمات الإرهابية على بلادنا، كانت تفجير مسجد قوات الطوارئ في عسير وقت إقامة الصلاة وتوجه المصلين إلى ربهم وسقوط عدد من القتلي والجرحى في سجودهم وركوعهم..!
الصدمة مجدداً كبيرة، والخسائر في الأرواح مؤلمة، لكن تجمع الوطن من أطرافه وشرقه وغربه وشماله لجنوبة شكل دوما لحمة وطنية خالدة، لكن هل هذا يكفي..؟!
قصة استثنائية في المواجهة السعودية مع الإرهاب بدأت منذ وقت مبكر. صدمات تتبعها صدمات، ونحن نمر بنفس الموقف ونخوض نفس المعركة مع الإرهاب والإرهابيين. الصرامة الأمنية تمكنت من حمايتنا إلى الآن، وتحقيق نتائج استثنائية على مستوى الدولة والإقليم، بل وعلى مسرح مكافحة الإرهاب العالمي.
لكن هذا الإرهاب الخطر بلا ذمة أو دين، أصبح هاجس أكثر، كيف يمكن له أن يتوقف،كيف وصل بِنَا وإلينا إلى هذا الحضور المدوي منذو نشأته وسقوطه عن كل دين ومنطق وأخلاق. من يوقف هذا الوحش المارد المصاص للدماء والأرواح؟!
طبعا الجواب الصادم، هو ألا أحد يمكن له التنبؤ بنهاية قريبة، لكن تقليصه، وضعه في أقل حدود ممكن.
لكن ذلك يتطلب جهدا حقيقيا، مشروع وطني بلا تزويق أو مجاملات، ومكاشفات مؤلمة بحجم الألم الذي خلفه ويخلفه هذا الإرهاب وجرائمه، أعتقد بكل أسف أن الكثير مما تم كان اجتهادات، أو مشاريع خاصة لشركات -مثلا- بحثت عن مكاسب مؤقتة، أو مواقف فكرية وثقافية وإعلامية لمؤسسات قليلة وقصيرة، ومشاركة فردية لموقف ورعي خاص لشخصيات وطنية، وقد يكون البعض منهم واجه معارضة وهجوم من متطرفين ومتشددين ومتلونين بسبب المواقف الوطنية.
والحقيقة أنني لست متأكدا من وجود إستراتيجية فكرية وحازمة لمواجهة الفكر المتطرف والإرهابي.
حتى الجهد الإيجابي على الساحة الثقافية والإعلامية، وأيضاً التعليمية هى مجرد اجتهادات، أكثر من كونها مشروعات وطنية إستراتيجية، تموت وتخبو وتتبدل مع تغير مسئول أو وزير!
وفيما الفكر الإرهابي، كما تمثله جماعات -أو تجمعات- الإسلام السياسي وأجنحتها المتطفرفة -وحتى المسلحة- منظمة بدقة، وتجيد اختراق كل المؤسسات ومراكز التأثير، ناهيك عن نشر مشروعه المتطرف، والإرهابي عبر نشاطه الفكري المترابط - محاضرات، أنشطة، مراكز، تبرعات،.. الخ وبتسويق شيطاني بالغ الدقة، إضافة إلى تجنيد متقن للمشككين والمشوشين.. مشروع إرهابي مكتمل الأركان ثقافيا وعسكريا، قد يبدو منفصلا، أو كل جانب في جزيرة، لكنه مترابط فكريا، وهو ما يغذيه بالموارد البشرية والمادية.
في المقابل للأسف لا مشروع مضاد بشمولية تواجه إن لم تلغِ هذا التسويق الفكر الإرهابي في مناهجنا ومدارسنا ومنابرنا.. وبيوتنا!
ما يحدث أننا نتلقى الصدمات الإرهابية مرة بعد مرة ولسنوات طويلة، ثم ننتفض من الألم والوجع. ونعلن الفعل لا أسبابه أو جذوره، ثم تتكرر الصدمة مجددا ونكرر نفس الأسلوب في المواجهة وتفريغ كل الألم لساعات أو حتى لأيام -بحسب الصدمة- قبل أن نعود لعهدنا القديم والاستسلام لمن قاموا بخداعنا من البداية، وهم يمارسون التقية والعمل في الظلام، ثم يحدث أن نصحو على زلزال إرهابي جديد في حدود وطننا.
لذا وبوضوح وبساطة، كيف نتوقع للإرهاب أن ينتهي أصلا؟، ونحن لم نبدأ بمشروع المواجهة والرصد بعد، ولم نطلق جهدا مضادا ولم نرفع قبضة حديدة على كل أدوات الإرهاب وجذوره ومسوقيه.. فيما نتلقى الصدمات والضربات الموجعة لكل ركن وزواية في بلادنا..!