ناصر الصِرامي
حالة، بل حالات لا تتوقف، ولا يمكن لإنسان سوي فهمها سوى الرجوع لفهم التطرف وأصوله أو الهلوسات الخطرة.. التي تتحول بفعل قداسة شكلية إلى لغز جديد على ما يبدو.. لكنه قاتل للأسف!
لا يقل حيرة عن واقع يرفض أن توقظه الصدمات مهما تعاظمت، بل المضي إلى محاولات النسيان المتعمدة، وبدل المرجعات نعود إجباراً إلى واقع لا ينفك عن المفاجأة بصدمات أشد إيلاماً.. وغرابة.. وخارج كل المتوقع!
إذ أصبحت ظاهرة قتل إرهابيين سعوديين أقاربهم، قبل وأثناء تنفيذهم أعمالاً إرهابية، في سوابق خطيرة جرى التحذير منها مسبقاً منذ طلب تنظيم «داعش» من أتباعه البدء بأقاربهم في تسجيلات بثت عبر يوتيوب، تسجيلات كان البعض يعتقد أنها سخرية، لكن في عالم الجريمة والإرهاب كل شيء ممكن.
هذا ليس مشهداً من مشاهد المسلسل الرمضاني «سيلفي»، لكنه واقعي، داعشي في الداخل، داعشي قتل خاله قبل المغرب، وسلب سيارته، وحاول تجاوز نقطة التفتيش باتجاه الحائر، ومن ثم حاصره رجال الأمن ففجّر نفسه، واحترقت السيارة وهو بداخلها، وكان الإرهابي قد حاول قتل خالته أيضاً قبل مغرب اليوم نفسه!
وأيضاً قتل إرهابي والده بسلاح ناري بعد أن أبلغ الأخير الجهات الأمنية عنه. وقال داعشي آخر في حساب على تويتر إنه مستعد لقتل حتى أمه إن بلغت عن أي داعشي! فيما قتلت داعشية زوجها العسكري فور عودته من عمله.
هذه العمليات تبنتها ما يسمى بـ»ولاية نجد» التابعة لـ»داعش»، وقالت إنها تطبيق لعقيدة «الولاء والبراء»، التي دعت لها في خطابات سابقة، داعية إلى «قتل الأقارب» قبل «النفير للقتال»، وبخاصة الأقارب العاملين في السلك العسكري. داعش تذهب للتراث تأخذ منه ما يحقق أهدافها، وتطبقه بتطرف، وهذا ما يجعلها مقبولة عند البعض، ممن يعتقدون أنها لم تأتِ بشيء من خارج ما ورد في بعض كتب التراث مهما بلغ شذوذها، هي الآن بهذا النهج تطبق عقيدة الولاء والبراء الموجودة أصلاً، لكن بطريقة تناسب أهدافها وإجرامها وإرهابها. وتشمل هذه العقيدة «البراء من كل شخص لا ينتمي للجماعة»؛ وبالتالي قتله، ويقابل ذلك «موالاة كل متعاطف مع الجماعة»..!
وهو ما تدعو له كل الجماعات الإرهابية، وتتبناه داعش بغطاء ديني، يظهر في تسجيلاتها وحملاتها الإعلامية على الإنترنت، حيث الدعوة إلى «البراءة من أهلهم وذويهم»، وفي محاضرة تحريضية تضمنت دعوة صريحةً على قتل الأقارب والأهل بدعوى «المعروف والنصرة، وتطبيقاً لشريعة الولاء والبراء»، وتطبيق «الأقربون أولى بالمعروف» عبر قتلهم، وخصوصاً الأهالي الموظفين في السلك العسكري..!
دعك من أسمى وأبسط القواعد الدينية المتفق عليها، بل أشمل الفكر الإنساني النبيل خارج الأديان والمذاهب..
العالم - ونحن أولهم - أمام تحدٍّ إنساني خطر؛ كيف يمكن أن نسترد إنسانيتنا وتراحمنا، أو حتى تديننا من تجار الدين والإرهاب وكل من يدور في فلكهم.. في محيطنا الصغير قبل الجغرافيا..؟
مرحلة خطرة، لم يعد فيها القتل والتفجير أمراً استثنائياً، بل الاستثناء هو في طبيعة القتل والعنف والإرهاب ونوعيته. تخيل حتى الداعية المتطرف الذي يمهد ويبرر ويتلون من أجل الفكر الداعشي -مثلاً- أصبح أكثر قبولاً مع كل ما يحدث، وأصبح رحيماً بنا..!
ماذا ينتظرنا..؟
تلزمك السخرية أو البلادة للتفكير في منابع الفكر الإرهابي، ولكل هذا الذي يحدث في العمق، قبل أن تحل كارثة أو صدمة أخرى.. فالصدمات لا توقظنا بما يكفى.. وهذه الزلازل الإرهابية لم تجعلنا ندرك أن قواعد اللعبة تغيرت.. أو أنه يجب أن تتغير في عمق عقيدة الإرهاب.. ونسفها.. إن كنا فعلاً مهتمين لأجيال قادمة.. كما نحب أن نردد ونزوق أحاديثنا.. علينا أن نحدث مراجعات صريحة لكل محيطنا وتراثنا.