ناصر الصِرامي
جيلي، وأجيال عربية لم تعرف في الدبلوماسية والسياسات الخارجية، والمواقف الكبرى إلا سعود الفيصل، تلك الشخصية التي كانت حاضرة في اهم المواقف واخطرها بشكل مُلفت ومؤثر، وبقدرة على التعبير وشرح المواقف بوعي سياسي وهدوء دبلوماسي عميق في التجربة.
قاد الدبلوماسية السعودية وقت الحرب الباردة بين قطبين، وكان إبان احتلال عراق صدام حسين للكويت، مكينة جمعت العلاقات العامة والدبلوماسية في عواصم العالم، وحين حل القطب الواحد كان يجيد المواجهة والصداقة والنصح للولايات المتحدة الأمريكية التي أسقطت صدام، في كل حروب الخليج الثلاثة، حتى في مرحلة انسحاب أوباما من الشرق الأوسط والفوضى الخلاقة، وما سمي وهما بالربيع العربي، ومحنة الاخوان، ونفوذ إيران، ثم القرار الدولي في حرب اليمن.. كان الفيصل الثابت في السياسة الدولية والواجهة السعودية في منصات القرار.
سيرة لم تكن عادية أبداً، وتجربة وخبرة استثنائية تتفوق زمنياً ومهنياً، لتجعل منه علماً لمرحلة بالغة التحولات في السياسة ورمالها المتحركة، ومصالحها المتشعبة والمتبادلة أيضاً..
للأسف إنه لم يكتب مذكراته, سيرته وتجربته وسنوات خبرته الطويلة. في العالم العربي ثقافة المذكرات لا توجد، وان وجدت يكتبها من لا قيمة لهم، أو الأقل قيمة!
قد نحتاج لصحفي او دبلوماسي شجاع يلتقي بكل المقربين منه للخروج بكتاب متميز لسيرة رجل الدولة، واحد المشاركين في صياغة السياسات العالمية وتكيفها. مشروع سيرة قد يكون واجهة لكاتب متمرس أو لجهة معنية بالرصد والتوثيق في بلادنا.
فالكثير من السير والقصص غابت عنا، وأشخاص مؤثرين وخبرات فقدتها الذاكرة للأسف، كما فقدها التاريخ، لأن اصحابها لم يهتموا لتوثيقها، وكذلك لم يفعل من حولهم.
ولعل الأمير تركي الفيصل - الذي يحمل ذاكرته الخاصة ايضاً، طوال فترة عمله رئيس الاستخبارات في مرحلة تاريخية مهمة-، ثم وجوده سفيراً للبلاد في عاصمتين للقرار-لندن وواشنطن- والاهم في هذا السياق هنا، قربه من أخيه الراحل، إضافة إلى كونه رئيس مجلس إدارة مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية. كما أنه المسؤول الأول عن المعارض التعريفية والتوثيقية عن والده الملك فيصل، هو الأقرب لرعاية مشروع توثيق سيرة أمير الخارجية السعودية.
في الجانب الآخر.. جانب المؤسسات والعرفان والبحث أيضاً.. لدينا معهد الدراسات الدبلوماسية في السعودية، والذي افتتحه الأمير سعود الفيصل الله- رسمياً في 1400هـ. حيث بدأ المعهد أعماله في مدينة جدة، قبل ان ينتقل بعد نحو اربع سنوات إلى وزارة الخارجية بمدينة الرياض، ويتم توسيع وتعميق البرامج التدريبية للمعهد لتشمل قبول منسوبي جهات حكومية اخرى ذات العلاقة، بالإضافة لبعض الدبلوماسيين من الدول الخليجية والعربية والإسلامية الشقيقة، ثم ينتقل إلى مقره الحالي.
والرسالة لمعالي وزير الخارجية الأستاذ عادل الجبير، الذي عمل معه وعرفه منذ وقت مبكّر للغاية بشكل مباشر وغير مباشر.
لماذا لا يصبح هذا المعهد جزءاً من سيرة الفيصل ومدرسته؟ وتهتم دراساته بكل سيرة عميد الدبلوماسية الدولية، لرجل عايش كل التحولات الدبلوماسية السياسية وأجاد في تمثيل وتنفيذ سياسة بلاده مع أكثر من ملك وأكثر من مرحلة.