د. عبد الله المعيلي
يجد البعض ضالته في تناول مفهوم الوطنية والمواطنة والعزف عليهما، جاعلاً من نفسه قيماً وحكماً على مدى التزام الآخرين بهذين المفهومين الجليلين، على اعتبار أنهما المنطلق الرئيس للولاء والانتماء، وهذا حق لا مراء فيه ولا جدال، فالمواطن المخلص الصادق يهتز شعوره، وتطرب مشاعره فخراً واعتزازاً عندما يسمع اسم بلده يردد في محفل أو يرفع علمه في مناسبة، وليس بخاف أنّ التعبير عن هذا الشعور وهذه المشاعر يكتنفه عند البعض الكثير من الضبابية والغموض، ولهذا يجد المشككون المتربصون في هذه الضبابية وهذا الغموض مدخلاً سهلاً للتشكيك والطعن في مدى الشعور بالانتماء والولاء للوطن، ومدى حبه وتفضيله على سائر البلدان، وهذا استنتاج خاطئ، فيه الكثير من الظلم والتجني على فئة لا تقل عن هذا المشكك ولاء وانتماء لوطنها وإخلاصاً له.
ومن بدهي القول والاعتقاد، أن كل من عاش على ثرى هذه البلاد الطاهرة المباركة ـ المملكة العربية السعودية ـ لا يمكن بحال إلا أن يتملكه نحوها شعور بالغبطة والسعادة والفخر والاعتزاز، ومشاعر فياضة أصيلة متأصلة من الولاء والانتماء، ليس بما توافر فيها وحباها الله به من عيش رغيد، بل لكونها قبلة المسلمين، وحاضنة الحرمين الشريفين، ولكونها بلاد أمن وأمان، بلاد تحقق فيها التوحيد بأجلّ صوره وأنقاها، بلاد يعبد الله فيها صباح مساء، بلاد تتنقل بين أرجائها الشاسعة المترامية لا تخشى ولا تخاف إلا الله، بلاد لا تعد فضائلها، ولا تحصى خيراتها، إنها بهذا - وغيره كثير - جديرة أن تُحب، وأن تُفتدى بالغالي والنفيس ولا تُمس ذرة من ترابها الطاهر بسوء أو مكروه، إنها جديرة أن يسعى في مناكبها تنمية وإنماء، حباً وولاءً.
الوطنية شعور تتم ترجمته بصور عديدة من المشاعر الوجدانية الإيجابية، والسلوكات البنّاءة المتعددة في الأنماط والدرجات، والتي أجزم أن كل مواطن مخلص يحمل في جنبات قلبه الكثير منها، قد تختلف هذه السلوكات من شخص لآخر، وهذا أمر بدهي لا يضير ولا يقلل من درجة الانتماء والولاء، لذا فإنه من الظلم أن يطعن في وطنية أحد أو يشكك فيها، أو أن توضع علامات استفهام هنا أو هناك على أشخاص أو فئات، لكون أحد المؤمنين بالوطنية يختلف معهم في التعبير عن مشاعره الوطنية والتدليل عليها، أو لكونه يتعامل معها من زاوية تختلف عن زاوية ذاك المؤمن الذي نصب نفسه قيماً وحكماً.
كما يعد الشعور بالانتماء للوطن - أرضاً وهوية - قيمة وجدانية سامية، بل يمثل هذا الشعور أكثر من جانب في جوانب تكوين الشخصية ومكوناتها الرئيسة، فالإنسان لا يشعر بتكامل ذاته واتزانها إلا على ثرى أرض يستنشق هواءها، ويستظل تحت سمائها، ويسعى في مناكبها إعماراً وبناءً وتنمية، وينعم بخيراتها المادية والمعنوية وهو آمن مطمئن، روى سلمة بن عبيد الله عن أبيه - وكانت له صحبة - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من أصبح منكم آمناً في سربه، معافى في جسده، عنده قوت يومه، فكأنما حيزت له الدنيا).
نعم هذه حال كل من عاش ويعيش على ثرى هذه البلاد الطاهرة الكريمة، المملكة العربية السعودية، يشعر أنه يمتلك الدنيا كلها، إنه شعور ملؤه الفخر والاعتزاز، فحمداً لله وشكراً على ما أنعم به من نعم ظاهرة وباطنه، يقولها كل مواطن بلسان الحال والمقال، حيث التمتع - بصفة عامة - بالأمن والأمان، والصحة والعافية، والعيش الرغيد، وإن تفاوتت هذه وتلك عند هذا وذاك.
من هذا المنطلق، فالأجدى والأحرى بأصحاب القلم والفكر، ألا يجعلوا من أنفسهم مشارط تشق القلوب لتلصق بها تهمة مجافاة الوطن، ومعاداة الوطنية، ظناً منهم وبهتاناً، فهذه أمور لا يمكن لأحد أن يزعم معرفة مدى الإيمان بها، وتحقق ممارستها سلوكاً ونهجاً إلا الشخص نفسه، فالأصل في كل من ينتمي لهذه البلاد الكريمة أنه يحبها ويدين لها بالولاء والانتماء، أما من يجاهر بالولاء لغيرها، والانتماء خارج حدودها، ويظهر عداوته لها، فلا مكان له فيها ولا احترام، وعليه أن يرحل إلى من يميل إليه ولاءً وانتماءً.