د. عبد الله المعيلي
عندما خلق الله الإنسان أودع فيه جملة من القدرات العقلية التي تؤهله إلى التفريق بين الحق والباطل، بين النافع والضار، بين المصالح والمفاسد، فلكل منها سبله الموصلة إليه، وسماته ومعاييره المميزة له، ومتطلباته التي تختلف عن الآخر تماماً، ونهاياته التي تبعث في النفس الراحة والسعادة والرضا، وتلك التي تبعث في النفس العنت والشقاء والقلق، ولا أظن أن عاقلاً حراً يمتلك إرادته يخطئ التفريق بينهما، ولا أظنه إلا سالكاً السبل التي تحقق له الراحة والسعادة والرضا، متجنباً رافضاً كل السبل التي تبعث في نفسه العنت والشقاء والقلق، هذه سمات الأسوياء وخصائصهم المتواترة في كل مكان وزمان.
ومن البدهي أن العقل الراشد يسخِّر كل جهوده ومساعيه فيما يحقق النفع له ولعامة الناس، وما يجلب له ولهم الرضا والسعادة، والأمن والأمان والطمأنينة، ويتجنب كل السبل المفضية إلى إلحاق الضرر بالناس، وما يفرّق شملهم ويزرع الخوف والقلق في نفوسهم، العقل الراشد يتبع ويسترشد بما في كتاب الله وسنَّة رسوله صلى الله عليه وسلم، وما أجمع عليه سلف الأمة الأخيار، ويبتعد كل البعد وينفر ويفر من مصائد الشيطان ودعاة جهنم الذين يحلّلون ما حرَّم الله من سفك الدماء وترويع الآمنين، واقتحام المساجد وقتل المصلين.
ولكن عندما يزيغ العقل عن الحق، وينحرف عن سبل الرشاد وعن المألوف وعن الطريق المستقيم، ويميل إلى سبل الباطل وإلى المنكر من الأقوال والأفعال، وطرق الظلام الملتوية، التي تبيح قتل الآمنين المصلين، الواقفين بين يدي الله خاشعين، عجيبة حال هؤلاء، فأي منطق يسوغ هذا الفعل الشنيع؟ وأي عقل سوي، وعاقل مدرك، يفهم هذا ويتقبله؟ حتماً الفطر السوية ترفض هذا وتأباه، ولكن عندما تنحرف الفطرة، فإنها تغدو مهيأة إلى تقبل ما لا يخطر على البال من قبيح الأفعال والأقوال.
ولهذا لا غرابة عندما يسعى ذوو الفطر المنتكسة إلى ابتغاء الفتنة، والهرولة إلى إشعال أوارها تحت شعارات واهية، ومسوغات تافهة، ويقدّمون أنفسهم على اعتبار أنهم الخيار الأوحد الذي اختاره الله لصلاح المجتمعات، وما علم هؤلاء أنهم مجرد أدعياء دخلاء على الدين الإسلامي الحنيف الذي يرفض تماماً مفاهيمهم وممارساتهم التي تخجل منها أدنى الأمم تحضراً ودرايةً بطبيعة البشر وما يتوافق مع فطرهم.
لم يعد خافياً أن الدور الذي يجند هؤلاء السفهاء إلى تنفيذه، وحسب ما يُقال في الأمثال: (اقطع لها من جنبها عصا)، إنما هو تمزيق وحدة الأمة الإسلامية واستقرارها، وإلهاؤها في فتن التدابر والتناحر والتقاتل، ودعاة جهنم يعلمون أن الفتنة عندما يتطاير شررها، وتطل برأسها القبيح في أي مجتمع، فإنها تعد المدخل الرئيس لتمزيقه وتشتيت شمله، لذا سعوا إلى تجنيد حدثاء الأسنان، سفهاء الأحلام، وتهيئتهم إلى ممارسة الدور على اعتبار أنهم الأنسب نظراً لما تبدو عليه سماتهم من علامات الصلاح الظاهري الذي يعد بمثابة الطعم لصيد المزيد من الأتباع والمتعاطفين والمؤيّدين، وهذا ما حصل فعلاً، فقد نجح دعاة جهنم في استقطاب الشباب الذين يتسمون بضعف التكوين العقلي، والخواء الفكري والمعرفي، وإيقاد عواطفهم الجيَّاشة، مما سهَّل على دعاة جهنم السيطرة على هؤلاء الشباب الأحداث تحت ذرائع ساذجة، ووعود كاذبة، وتوجيههم إلى مهاوي الردى وسوء العاقبة، مكبلين بالأحزمة الناسفة لقتل المصلين الآمنين.
وتتأكد خطورة الزيغ، إذا صاحبه طيش، وهو الانحراف عن السلوك القويم والطريق المستقيم بسبب خفة العقل وضعفه وخلوه من المعارف والمحكات التي تضبطه من الشطط والزلل.
إن السمة المشتركة بين الشباب الذين خرجوا على أهليهم ووطنهم، ورضوا بأن يكونوا مطايا سهلة الركوب، وجندوا أنفسهم لدعاة جهنم، أنهم حدثاء الأسنان، وليس لديهم علم شرعي أصيل، ولا معارف يفرِّقون بها بين الحق والباطل، لذا سهل استخدامهم واستغلالهم خناجر طعنت الأمة في الصميم، إن الوضع جد خطير، ويتطلب صياغة مشروع تربوي يعنى بالجانب الشرعي والعقلي للشباب ليحفظهم من دعاة جهنم.