د. محمد البشر
الصين يقطنها مليار وأربعمائة نسمة، مسجلة أكبر عدد من السكان في العالم، يعيشون في وئام تام ومتجانس قل نظيره، مترامية الأطراف، متنوعة الطبيعة في المناخ، والتضاريس، وحتى الأنهار ولون الماء بها، وكذلك الشواطئ وغيرها مما حباه الله من تنوع طبيعي، وتجانس بشري لها تاريخ مجيد مرت عبره بحقب متعددة وأسر حكمت سنين متعددة، ومتفاوتة منها من حكم نحو سبعمائة عام، ومنها من حكم أربعمائة سنة، وأقلها مئة عام في عصر قبيلة منغولية تعتبر دخيلة على الصين، وفي ظلها كان المسلمون يمثلون الطبقة الأرستقراطية الثانية، بعد الأسرة الحاكمة، وحاشيتها من المغول.
بعد نهاية آخر الأسر، وهي أسرة مين، تولى الشيوعيون الحكم بعد عراك مرير مع منافسيهم الذين لجؤوا إلى تايوان، وكان ماوتسي تونغ هو رئيس ذلك التحول الكبير، وكان في بداية أمره نشطاً منطقي التصرف في ظل مبدأه الشيوعي المتزمت، لكن حاله تغيرت بعد أن تزوج بإحدى الفنانات فهام بها، وقلدها مفاتيح قلبه وعهده، فأخذت تأمر وتنهي باسمه، وكأنه يقول كما قال الشاعر:
إذا قالت حذامي فصدقوها
فإن القول ما قالت حذامي
بعد عشر سنوات من حكمه فكرت وقدرت، ويا سوء ما قدرت، فجاءت بالعجر والبجر، والتف حولها منتفعون صفقوا لها وزغردوا وزمروا، وقررت باسمه أن تقوم بالثورة الثقافية، وهي ثورة مناقضة، للمعنى واللفظ، فحاربت المسلمين الذين ناصروه، وكانوا رجال حربه ضد، أعدائه حتى أنهم أخذوا في إخفاء الكتب بين الجدران، ومنع الشبان والصبيان من دخول المساجد.
بعد عشر سنوات من تلك الثورة قام دونج مع أعوانه داخل الحزب بتغيير تصحيحي، فقبضوا عليها وثلاث معها وسموهم عصابة الأربعة وقتلوهم شر قتلة. وسارت الأمور بعد ذلك بنظام رائع ونهضة متأنية ومتسارعة ومحسوبة، وبعد أن أصبحت الصين ثاني قوة اقتصادية في العالم بفضل الطلب الداخلي والتصدير الخارجي، أخذت الآن تفكر وتقيم، وقررت في أيامنا هذه أن تحد من الدعم غير الضروري، حتى تعيد رسم إستراتجيتها، لاسيما تلك المتعلقة بالتصدير إلى الخارج، وارتباطه باستنزاف الموارد الطبيعية فالتصدير بتزايد، والأموال من العملة الصعبة لاسيما الدولار تتكدس، ويعاد إقراضها لمنشأها الأصلي، الولايات المتحدة الأمريكية، ولأنها أكبر اقتصاد في العالم بعد الولايات المتحدة الأمريكية، لذا كان أي أمر يحيق بها لابد له أن يتعداها إلى ما سواها من العالم.
الصين لديها نحو ألف ومئتي طن من الذهب احتياطياً، وثلاثة ونصف ترليون دولار، والولايات المتحدة لديها ثمانية آلاف طن من الذهب، ومطابع تطبع بها ما تشاء من النقود، وقد توقفت عن زيادة الاحتياطي من الذهب، بينما كانت الصين تزيد في كل عام مائة طن لكنها اليوم تراجعت عن الشراء، وهبط مع تمنعها السعر إلى ما يقل عن ألف دولار للأوقية وأخذت في النظر إلى ثرواتها الطبيعية، وساءلت نفسها هل من الأجدى وأنا أحمل بين ظهراني ملياراً وأربعمائة نسمة أن استنزف ثرواتي الطبيعية لأصدر للخارج؟ وهو تساؤل يستحق الوقوف عنده.
وماذا بعد، وماذا سيبقى للأجيال القادمة، كما أن استراليا أيضاً التي تصدر كميات كبيرة من منتجات المناجم إلى الصين أخذت في حساب ثرواتها الطبيعية، ولهذا أخذ الاقتصاد الصيني في التباطؤ، وخاف المستثمرون من المستقبل فأنهار سوق شنجهاي في فترة وجيزة ثم أخذ في التوازن.
هذا التغير في الإستراتيجية، والنظرة المستقبلية، ومن ضمنها أسعار الأسهم الصينية جعل الأسواق الأخرى تتناغم مع ما حدث في الصين، فأخذ كل على حدة يسقط رويداً رويداً.
مشكلة أخرى أيضاً، واجهت الصين وما زالت تواجهها، وهو التلوث البيئي الكبير، وقد عشت أربع سنوات في الصين، ورأيت بأم عيني كيف كانت مدينة بكين تحت سحابة من التلوث، وما زالت مع كل أسف، وهذا عامل آخر جعلها تشجع بدائل الفحم ومصادر الطاقة العضوية إلى غيرها من المصادر الصديقة للبيئة وهذا أمر كنا نسمعه وما زلنا نسمعه ولعل المستقبل يأتي بخير. المؤكد أن الصين تسير رويداً رويداً لكنها لا تتوقف، وتخطئ وتصحح، ولا تمل ولا تسأم.