د. محمد البشر
العيد مناسبة عزيزة على الكثير من الناس، إن لم يكن جميعهم، وقد أقام البعض ولائمة المشهورة، وسافر البعض في أقطار المعمورة، باحثين عن مزيد من السعادة، منهم من عشق الطبيعة فشد رحاله نحو تلك الأقطار، وارفة الظلال، زاخرة بالماء الزلال، وهناك من هام بالأسواق، فقصد مكانها ليمتع خاطره بما يستطيع اقتناؤه منها، وهناك من أحب تسلّق الجبال فغادر صوب وجهته، وقد حمل معه معاوله، ومن الناس من غادر أو سيغادر إلى ديار اعتاد على ارتيادها مثل لندن، وباريس، وكان، وجنيف، وكأن هذا ديدنه كل عام، لا يلوى على طبيعة، ولا يميل إلى غير تلك الوجهة، يتردد على المطاعم ذاتها في أوقات محددة، ولا يزيح أنملة عن الولوج إلى المقاهي ذاتها ليشاهد أو تشاهد فلان وفلانة، ليبدأ رسم الخارطة لكل من مر في الطريق، أو جلس في مطعم يتناول بعض الطعام، أو مقهى يحتسي فيه كوباً من القهوة أو الشاي، وفي الغالب أن ذلك يتم على هيئة مجاميع، يأتون زمراً في كل ليلة ببهجة عارمة، بعد أن فرغوا من ملء سياراتهم بأنواع المشتريات على حساب رب البيت، وهناك أيضاً من يغتنم تلك الفرصة ليسجل أبناءه في معاهد متخصصة إما لتعليم اللغات، أو التدريب أو ممارسة بعض الرياضات، فينعم بحصيلة ذات فائدة، قد تكون له عون في المستقبل، وأداة من أدوات التغلب على عواتي الدهر.
نعم الأغلب هم كذلك، لكن هناك من يسافر داخل البلاد، لينعم بجمال طبيعة أبها الخلاّب، وطقسها السالب للألباب، وهناك من يقصد الطائف، لينعم بنسمة هوائه العليلة، وأمطاره الغزيرة، وقربة من أطهر بقعة على وجه الأرض مكة المكرمة الحبيبة.
نذكر ذلك لنذكّر بأنه يعيش بيننا في منازلنا، وتحت كفالتنا، وفي مكاتبنا وشركاتنا، عدد غير قليل من البشر مثلنا يحملون مشاعر إنسانية، وغرائز بشرية، لا فرق بيننا وبينهم إلا أن الله قد حبانا بشيء من المال أكثر منهم، فتركوا أهلهم وأوطانهم، وديارهم، ومنهم من ترك طفلاً في سن الفطام أو صبياً يحتاج إلى رعاية، أو والداً أو والدة أو هما معاً يحتاجان إلى رعاية، ومنهم من ترك زوجته، أو تركت زوجها، رجالاً ونساءً من أثر عدم إكمال دراسته، كل ذلك يقع لغرض واحد فقط جمع يسير من المال ليسد به رمقه، ويقيم أوده، بعد أن جرته حاجته إلى ديارنا، ونحمد الله على ما نحن فيه راجين من العلي القدير أن يرزقهم ويسد حاجتهم، ونحن معهم.
هم مثلنا يحتاجون أن يفرحوا بالعيد، فنحن من منا يا ترى قد فكر فيهم تفكيراً صادقاً، وحباهم شيئاً مما رزقه الله، ووسّع عليهم في معيشتهم، من منا قد فكر في أن يجمع من يعمل لديه من الناس إن كان عددهم كثيراً أو قليلاً، وجمعهم مع منهم عند الأقارب، والذي لا بد أنهم تعرّفوا عليهم، ليسعدوا معاً ويتناولوا شيئاً من الطعام، ويهنأوا ببعض الألعاب، وكم سيكون مردود ذلك على مشاعرهم وأحاسيسهم، وقبل ذلك الطمع في رضوان الله من خلال إسعاد هذه الأنفس البشرية التي تعيش في كنفنا وفي ذمتنا، وتحت مسؤوليتنا.
كم منا أهداهم هدايا رمزيه بهذه المناسبة السعيدة، أو زاد على ذلك وتكرّم بأن يترجّل من برجه العاجي ليتناول معهم بعض الطعام، ويشاركهم فرحتهم بهذا العيد.
كم منا من خفف عنهم العناء والعمل في ذلك اليوم أو ليومين، إن كان لا يرغب في إسعادهم ومشاركتهم، فهم في حاجه إلى الشعور بأن ذلك اليوم، يوم لهم فيه نصيب من السعادة، كما هي حال رب المنزل أو العمل.
آه كم هو محزن أن لا نلتفت إلى مشاعر من يخدموننا، ويرعون أطفالنا، ويطيبون موائدنا، ويغسلون ملابسنا، كم هو محزن حقاً أننا ننام تحت المكيف وهم في المطبخ وغير المطبخ يعملون، ومع ذلك لا نلتفت إليهم في يوم عيد لنسعدهم فيه.
كم هو محزن حقاً ونحن المسلمين ألاّ نستفيد بالتطبيق من القرآن العظيم، وما فيه من إرشاد ومقاصد، وواجبات، وما فيه من أمثلة، ووعد ووعيد، فما بالك بواجب لنفس بشريه معنا وفي كنفنا.
كم هو محزن ونحن المسلمين لم نستفد من سيرة المصطفى صلى الله عليه وسلم العطرة، وقد ضرب لنا مثلاً بنفسه، وبتعامله مع من معه، ولنعد إلى ما قاله عنه زوجاته وأصحابه رضي الله عنهم جميعاً، وما قاله من عاش في خدمته مثل زيد بن حارثة، وغيره.
ولنا في أفعاله معهم وأقوالهم عنه عبرة، وهو الذي لم يقل لأحد منهم عمل عملاً لماذا عملته، وكان يساويهم في مأكله ومشربه.
عيد الأضحى قادم، ولعلنا نعمل شيئاً يسعد من حولنا لنكسب الأجر عند الله.