جاسر عبدالعزيز الجاسر
في سلسلة المقالات التي كتبناها في نوري المالكي يظهر أن إعداده كان كـ(بيدق) لتحريكه على رقعة الشطرنج الغربية، التي وضعت لتنفيذ الخارطة الجديدة للشرق الأوسط الكبير، والتي أوكلت للولايات المتحدة الأمريكية مهمة قيادة وتنسيق الجهود والأفعال الغربية.
الولايات المتحدة الأمريكية لا تنفي سعيها القوي لإقامة الشرق الأوسط الكبير؛ فمنذ عهد الرئيس الأمريكي الأسبق جورج بوش الأب، بدأ الترويج للشرق الأوسط الكبير، والذي يضم بالإضافة إلى المنطقة العربية والكيان الإسرائيلي دول: تركيا وإيران وأفغانستان، وحتى باكستان، التي تضاف مرة ويُتجاهل الحديث عنها مرة أخرى.
المهم، إن الشرق الأوسط الكبير يراد به تذويب الحضور والقوة العربية، وجعل العرب هامشيين حتى وإن وجدت القيادة العربية المؤثرة التي تستطيع أن تجمع حولها عدداً من الدول المحورية، التي ستجابه بنمو وقوة نفوذ تركيا أو إيران وحتى باكستان، ولاعتبارات تاريخية عنصرية ومذهبية وجد من فكَّر في إطلاق مشروع الشرق الأوسط الكبير، أن إيران الأكثر استعداداً لترجمة المخططات الغربية؛ أولاً لأن من يحكم إيران حالياً يحلم بعودة (العز التليد للفرس) من خلال إعادة تقوية نفوذ من يحكم إيران تمهيداً لإقامة الدولة الفارسية الكبرى، كما أنه يمكن للنظام الإيراني الحالي -الذي يديره أتوقراطيون متعصبون مذهبياً- تجنيد المهووسين بتوجهاتهم الطائفية، وتكوين أذرع عسكرية كميليشيات لتنفيذ مخططاتهم التي تلاقت في أهدافها مع الغرب.
وهكذا تم التركيز على النظام الإيراني والأحزاب السياسية المرتبطة به والأشخاص الذين يتعاملون لتوظيفه، وإعدادهم لتنفيذ مخطط (الشرق الأوسط الكبير) خاصة في شقه الشرقي المختص بالعراق وسوريا ودول الخليج وأفغانستان وحتى باكستان، وهذا المخطط (الطموح) بالنسبة للغرب والمحقق للأطماع الإيرانية يحتاج إلى وقت لا يقاس بالسنين، وإلى دهاء وخبث، وهما ما يتميز بهما من يحكم إيران حالياً، ولقد بدأت ملامح التركيز على أنصار ملالي إيران منذ التخطيط للإطاحة بنظام الرئيس العراقي الراحل صدام حسين، فرغم وجود عناصر وشخصيات عراقية متمرسة لا يعرف عنها الانتماء الطائفي ولا يحسبون على نظام إقليمي معين، ولهم تاريخ وطني ونضالي، إلا أن واشنطن ولندن بالذات تبنَّتا ودعمتا المعارضة العراقية الشيعية التي لم تخف انتماءاتها الطائفية وحتى السياسية بحكام إيران، بل إن السياسيين العراقيين الشيعة الذين لا يحظون بدعم طهران وجدوا تجاهلاً حتى من الدول الغربية الليبرالية كأمثال أياد علاوي وحسن العلوي وغيرهما، وفي اجتماعات المعارضة العراقية التي عقدت في العواصم الغربية وفي إقليم كردستان ظهر أن التركيز منصب على الأحزاب الشيعية التي أنشئت في طهران وعلى الأكراد، وإذ عرف أن الغرب دعم الأكراد لذلك لم يشكل هذا الأمر أي غرابة، أما أن تدعم أحزاباً شيعية نشأت في دولة معادية للغرب وتدين بالولاء لنظام يجهر بالعداء لأمريكا وبريطانيا، فهذا ما شكل مصدر تساؤل للأطياف العراقية الأخرى، وظل هذا التساؤل يكبر حتى نُفِّذ الغزو الأمريكي - البريطاني للعراق في عهد جورج بوش الصغير، إذ ظهر تنسيق ومشاركة إيرانية في الغزو والاحتلال فيما بعد، ومن ثم المشاركة في حكم العراق وتقاسم النفوذ، ليظهر رجال أمريكا من الأحزاب الإيرانية التي سلم لها حكم العراق، ومنهم نوري المالكي، الذي لعب دوره باقتدار محصناً بالحماية الأمريكية التي منعت كل محاولة لإزاحته عن سدة الحكم، مهيئاً ظروف تقسيم العراق كبداية لخارطة الشرق الأوسط الكبير، ومطلقاً الوحش الإرهابي (داعش) الذي سيختصر مسافات لإنجاز المخطط الغربي، إذ -وكما تابعنا- عجل استيلاء (داعش) على عدد من المحافظات العراقية والسورية على تعظيم النفوذ والوجود الإيراني في العراق وسوريا، وعملت (انتصارات) داعش على تخفيف معارضات من كان يعارض (الشرق الأوسط الكبير)، فبعد تركيا -التي سلمت لأمريكا واستجابت لطلباتها لوضع قواعدهاحتى قواتها لمحاربة الإرهاب الذي تعرفه أمريكا- ستتبعها دول أخرى منها عربية وغير عربية؛ للبدء في وضع الإطار النهائي للشرق الأوسط الكبير الذي ستكون السيادة والنفوذ فيه مقسماً بين ملالي إيران وحاخامات إسرائيل.