جاسر عبدالعزيز الجاسر
بعد تكرار أقوال نوري المالكي الشاذة، تناولت العديد من الشخصيات السياسية العراقية بالتنديد بتلك الأقوال وشجبها والقول بأن نوري المالكي يمثل نفسه، وتتجاهل هذه الشخصيات أن نوري المالكي مسؤول في الدولة العراقية، وأنه يشغل منصب رئيس الجمهورية ممثلاً للمكوّن الشيعي، وأن بعض المتحذلقين وأعضاء حزب الدعوة المتطرف يطلقون عليه صفة (النائب الأول).
إذن نوري المالكي لا يمثل نفسه فقط، وإذ كان هو نفسه فاسداً وطائفياً ومثيراً للكراهية، فإن كل ذلك ينعكس على النظام الذي يمثّل أحد رموزه الذي يضم واحداً يرتكب أعمالاً غير منضبطة، ويدلي بأقوال غير مسؤولة، يعرف أنه خارج نطاق المسألة والمحاسبة.. فهذا المالكي ارتكب أبشع الجرائم، ومهّد لواحدة من أكثر الهزائم العسكرية في تاريخ العراق؛ ورغم ثبوت مسؤوليته يمنح منصب نائب رئيس الجمهورية لتحصينه عن المساءلة.. والسّرّ وراء ذلك يتخطى العراق وحتى إيران التي فرض ملاليها رئاسته سابقاً للحكومة العراقية وتحصينه بمنصب نائب رئيس الجمهورية العراقية ثانياً. والسّرّ يكمن بأن نوري المالكي وضع في منصبه الأول رئيساً لوزراء العراق والقائد العام للقوات المسلحة ليكون أحد محركات قيام نظام الشرق الأوسط الكبير.
كيف ذلك؟.. نوري المالكي منذ غزو العراق ومن ثم تثبيت الاحتلال الأمريكي - البريطاني بدأ صنع الشخص الذي يساعد على تنفيذ المخططات الموضوعة للمنطقة واحتلال العراق أحد تلك المخططات، ومثل نوري المالكي أول تفاهم أمريكي - إيراني.. فكلا الطرفين الأمريكي والإيراني يثق بالمالكي رغم علمه بعمالته للاثنين، فهو عميل ملالي إيران لتكوينه المذهبي والأيدلوجي، وعميل لأمريكا لمشاركته في التآمر على العراق والمساعدة على غزوه، ومن ثم احتلاله.. ولأنه استفاد من الغزو والاحتلال، فقد عمل بإخلاص مع المحتل الأمريكي لتنفيذ وضع اختيارهم على نوري المالكي منذ الأيام الأولى للاحتلال، فقد كان محل أنظارهم منذ كان مجنداً في مخابرات حافظ الأسد، إذ كانوا يعرفون تاريخه التجسسي وأنه خميرة جاهزة للعمل، ولذا فقد تبنوه منذ الأشهر الأولى للاحتلال وبعد فرضه رئيساً للوزراء بدعم إيراني قوي ومساندة أمريكية، ظلت قوتا الاحتلال الأمريكي والإيراني تدعمان المالكي داخلياً وخارجياً، فملالي إيران فرضوا على الأحزاب الطائفية الشيعية المرتبطة جميعاً بطهران أن تقدم الدعم والمساندة لنوري المالكي وأن يكون مرشحهم الوحيد من خلال تكوين ما يسمى بالبيت الشيعي الذي تحول إلى مسمى التحالف الوطني، وقدموا (رضوة) لإبراهيم الجعفري ليكون ريئساً لهذا التحالف بعد استبداله بنوري المالكي الذي أكثر قدرة على ترجمة ما يريده الأمريكيون والإيرانيون معاً.. أما الجعفري فقد كان أكثر انقياداً لطهران ومع أن نوري المالكي أغضب الأمريكيين بتطرفه الزائد وطائفيته المبالغ فيها، وعدم توافقه مع تكتيكات الأمريكيين وخاصة في التعامل مع أهل السنّة ومع الانتفاضات التي تشتعل بين الحين والآخر في محافظة الأنبار وكركوك، إلا أنه في المحصلة النهائية يقدم خدمة كبيرة لتحقيق المنتج النهائي لما تريده واشنطن للمنطقة، والذي يتمثل في تحقيق إقليم الشرق الأوسط الكبير، وأن يعاد رسم خريطة الإقليم وفق التصور الأمريكي الذي يتضمن تقسيم دولٍ قائمة واستحداث دولٍ جديدة.
وقدم نوري المالكي أكبر خدمة ومهّد لتكوين المنتج الجديد عبر صنع وحشٍ كبيرٍ اسمه داعش، أو عجلت الممارسات القمعية والتعامل الإقصائي مع أهل السنّة، وضرب تجمعات أهل السنّة في ساحات الرمادي والحويجة في كركوك وإعطاء الأوامر في سحب القوات العراقية من محافظة نينوى في إظهار ما سمي بالدولة الإسلامية (داعش) التي أصبحت وحشاً يوجه لترويض الدول والأنظمة التي تعارض إقامة إقليم الشرق الأوسط الكبير.