رمضان جريدي العنزي
بذور الفساد وبذور خضراء الدمن بذور متشابهة، فكلتا البذرتين ملعونتان تنبتان في منبت السوء، وتنتميان إلى مستنقع العفن، إن للذكاء السياسي تعاريف عدة تعبر كلها عن القدرة الإبداعية، التي يمتلكها الإنسان في حل المعضلات السياسية الصعبة، لكنه في القاموس الانتهازي لـ(نوري المالكي) يحمل ألف معنى للانتهازية الطائفية المطلقة البغيضة، وألف بذرة من بذور الفساد التي زرعها في منبت السوء والعفن وأرض الدمن، إن هذا المفهوم والمعنى لا يوجد إلا عند أصحاب الوجوه الزئبقية فقط، أمثال (نوري المالكي) وبقية جوقته وكمبارسه وضاربي دفه ولفيفه وحاشيته الذين من حوله، لقد تخصص هذا الوجه الزئبقي ذو التجاعيد البائسة، بتوظيف دماغه في مشاريع الخبث والغش والحيلة والفتنة والمراوغة وزرع بذور الطائفية ونشر ثقافتها على أوسع نطاق، حتى صار معنى الذكاء في تطبيقاته السياسية والإدارية الفاسدة ورؤيته القاصرة يعبر عن مهاراته الشيطانية في تدمير مستقبل العراق كله، لا يعرف مفهوم العبقرية، فالعبقرية عنده هي التي يستغل من خلالها وظيفته ومركزه في تكريس الطائفية المقيتة وإحياء الفتنة وتأجيجها بكل صورها الباهتة وأشكالها وألوانها الرمادية، إن لهذا الوجه الزئبقي القدرة التامة في تغيير لونه وجلده في المواسم والفصول وكل الأوقات بما ينسجم مع اللون المعتم الذي يهوى ويبتغي ويريد، أما لون البياض فهو يمقته ولا يحسن انتهازه ولا استخدامه ولا العمل به، بل يستخف بالنزاهة أيضاً ويستهزئ بالعاملين بها.
لقد انحرف وانجرف واختار السير لوحده في المسالك الموحشة والدهاليز المعتمة والدروب الضيقة والمستنقعات السبخة، حتى وقع العراقيون كلهم ضحايا لممارساته المنحرفة الفاسدة، إن الأغبياء يعدون أنفسهم أذكى من غيرهم، وهذه الثقة العمياء بالنفس هي التي دفعته في استغلال موقعه ومنصبه ودرجته الوظيفية، وشجعته على الاستفادة من نفوذه في تشكيلات الدولة العراقية على أساس طائفي بحت وبالاتجاهات التي تحقق مآربه الشخصية والفئوية والحزبية والطائفية، فالذكاء في معايير الأغبياء يعني إتقان الغش والتحايل والفهلوة، ويعني انتهاز فرص التسلق نحو الأعلى، والقفز فوق درجات السلم السياسي، وممارسة الانتهازية بأبشع صورها، والإفراط في تسجيل المكاسب الجشعة في سجلات الابتزاز بكل أشكاله وألوانه، وإجادة التظاهر بالمظاهر المزيفة، إن الذكاء في حسابات الطائفيين والفئويين والحزبيين وأصحاب التكتلات والهوى يعني أيضا اللجوء إلى أساليب الخداع والتضليل في الاتجار بالدين والتدين، حتى وإن تم تخريب الدولة، وتلفيق الاتهامات الباطلة دون وجه حق على الآخرين بمختلف مواقعهم واتجاهاتهم ومشاربهم وانتماءاتهم، فانقلبت المعايير رأسا على عقب في مخططات أصحاب الضمائر المعطوبة, إلى المستوى الذي ظهر في العراق واحد كـ(المالكي) الذي خان الأمانة الوطنية والعربية، وائتمن الخائن، وكذب الصادق، وصدقَ الكاذب، وقرب إليه الدجال والمتلون وصاحب الخرافة وضارب الرمل والودع، واقتفى أثر فلسفة الغش وتعلم في مدرسة التدليس، وعمل بنصيحة المنافق، فاختار مكر الثعالب وخداعها ومراوغتها في مواجهة الناس، فالإنسان الثعلب هو الذي يتقن التنكر بحلل زائفة، فيُظهر الصدق والعدل والوفاء، ويستبطن الغدر والكذب والنفاق، ولا يعلم هذا (المالكي) بأن البقاء دائما للأصلح والأكفأ والأذكى والأمين، ولن يستطيع فرض معاييره الغبية في صياغة المعاني الهشة للعمل السياسي، فذكاء العراقيين الفطري هو الذي كشف لهم مدى مكره وخداعه وسوقيته، وسيأتي اليوم الذي يتبدد فيه ويوأد، لأنه من غير المعقول أن تستمر أعماله القاصرة على ما هي عليه في تهميش أكثر من نصف الشعب العراقي ذوي المواهب والقدرات العلمية والخبرات المهنية والتطلعات الوطنية، ومن غير المعقول أن يبقى هذا الهيكل الطيني الضعيف الآيل للانهيار مستمراً في قيادة الشعب العراقي الأصيل، لقد خلط هذا الزئبقي السياسة بالطائفية، وربطها بالنصوص وعمقها بلنفوس، فبرع في ترويج الولاءات المذهبية المتطرفة، وأبدع في تغييب التحالفات الوطنية، حتى آل العراق إلى ما آل إليه، ملغوماً بالأحقاد والضغائن والعقائد والطائفية والعرقية، التي غطت شوارعه الفسيحة، وانتشرت في أزقته الضيقة، وتسللت داخل دور العبادة.