رمضان جريدي العنزي
طفلة أنا صغيرة نافرة، قدري أن أتزوج الذي يشبه جدي هيكلا وعمراً واتكأ على العصا، ربيع لا يلتقي مع الشتاء، جامد هو، حية أنا، لي حلم في أن أنام في عالي الرفوف، وأمشي فوق سجادة، وأحلم بالسحابة، والغيمة الماطرة، وشدو البلابل، وأدخل في طقوس المرايا، أهيئ متكأ، لأمد جسور مخيلتي
النافرة، لأدلي بدلوي في بئرها، وحين تلوح على البعد نار، أقود إليها أقدامي الحافية، أحث الخطى، أعلل نفسي، قد أجد على النار هدى، لكن وجه الرمل صار حلمي، وشمسي أناخت ظلها، وما استراحت، والأحلام توائم كل حلم يشبه أخته الراحلة، حفنة قش أنا نثرتها الرياح حين هبت، والذي يشبه جدي مثل خفاش تدلى من بقايا سقف، مثل جحر للأفاعي، وثقوب عقرب، وشروخ في المرايا، وتهادي ضب، أتساءل ما الذي باعني له؟ وأنا البدر وبهاء الفجر والمهرة الصاهلة؟ ها هو الحزن يضرم غلالي، فيصعد الدم نحو رأسي، أحاول خلع ثوب التردد، ألقي بنفسي نحو نفسي، أدس يراعي في بؤر جسدي، أدفن رأسي بين ركبتي، وأشهق فزعة، والذي يشبه جدي هناك في الزاوية، يخضب لحيته بهدوء وما همه مخيلتي الراحبة، أولج رأسي في المخادع، أجس خشب السرير، تداهم مخيلتي، شكل الوردة والفاكهة، وموسم العشب ،وخيوط المطر، والأشجار الوارفة، وأشم عطر الزعفران، والبخور، والصندل، وأتوسد خد الياسمين، أتخيل الوالجين حقول الصباح، الحارثين بساتين القمح القاطفين للتوت وللعنب، وأرهف سمعي لأجراس القراط، رنين الخلاخل، أتجول في الأروقة، أتلصص من كل باب موارب، في روحي أمكنة للمسامير والسهام، ودكات للدروع والأغمدة، أسائل نفسي: ترى إلى أي مدى أندب حظي؟ سارية على رمل بليل بلا قمر؟ في جسدي برد ولا عندي موقد؟ وكيف صرت للذي يشبه جدي مجرد غزالة ضمها إليه؟ عيناه وجع، وعمامته شهباء حطت على رأسه وارتخت، خداه عظمان بارزان، وشعر وجه أبيض كثيف مهلهل، وروحه مكلسة، وفسحته ضيقة، وصوته محتبس كأن عربيد التف حول رقبته، فاغرا فاه غير مصدق بأن الغزالة أمام عينيه واقفة، أنا الآن أرتدي ثياب التراب، التي خاطها من باعني له من قماش العواصف، وطرزها بالصفار، وتشقق الزنار عن الزنار، زحفت لروحي جيوش الرمال، ظمآنة أنا، فلم يعد للمياه عندي وجود، خيمة أنا بلا رواق، وسقف بلا عمود، التحف عباءة الليل، وأتسربل سواده، ما صرت أبصر الشمس، ولم تعد الأشياء تبرق عندي وترعد، لأن المخيلة عندي لم تعد مخيلة، ولا الدالية دالية، والغيمة صارت عندي حبلى من غير مطر، وحتى الرابية لم تعد كما كانت رابية.