فيصل أكرم
في ليلة عيد الفطر، الذي نصفه بالسعادة دائماً رغم كل الظروف، انصدمنا بخبر شاب في السابعة عشرة من عمره يقتل خاله الضابط ثم يأخذ سيارته ويفجّر نفسه بها أمام إحدى نقاط التفتيش الأمني القريبة من بوابة أحد السجون في الرياض.
الخبر سمعناه وقرأناه مفصلاً في وسائل الإعلام المحلية، لهذا قد فهمناه كخبر يفجع العقل ويؤلم القلب، غير أن وسائل الإعلام العربية حين تناقلته كانت تحكّم المنطق في قراءة الكلمات المكتوبة بحروف أساسية من دون تشكيل.
فقد سمعتُ الخبر منطوقاً في أكثر من قناة تلفزيونية عربية هكذا (في الرياض شابٌ يفجّر نفسه أمام بوّابة أحد السجون بعد أن قُتل خالُه) - بضم قاف القتل ولام الخال! - فهي اللغة العربية هكذا، إذا لم تكتب بتشكيل الحروف فهي تحتكم دائماً إلى أحد أمرين: إمّا أن تكون الجملة مقروءة من قبل مراراً حتى باتت محفوظة في الذاكرة، وإمّا أن تكون الجملة قابلة للاستيعاب حين يحكمها المنطق.
يُحكى دائماً أن اللغة العربية هي أصعب لغات العالم، وكثير من غير المتقنين لها يحسبون ذلك الحكي شبيهاً بحكي أي إنسان عن نفسه بأنه أفضل إنسان في العالم(!) والواقع أن الصعوبة في اللغة العربية، دون غيرها، تكمن في الضبط النحوي (التشكيل بالحركات) لأن اللغات الأخرى، في معظمها، يأتي تشكيلها بحروف أساسية تكون من صلب الكلمات، وليس كاللغة العربية لا يمكن ضبطها إلا بتشكيلها بحركات قد لا تكون موجودة في معظم أجهزة الكتابة الحديثة إلا بصعوبة تأخذ كثيراً من الوقت حتى يصبح الخبر قديماً(!). أمّا عن التفضيل، فقد أتى سابقاً لحركات التشكيل، وذلك بالتنزيل القرآني الكريم.
ما أريد قوله هنا، هو أن الأخبار العجيبة الغريبة التي تتواتر في زماننا الغريب العجيب هذا، سوف تبقى على التباس في النطق والاستماع أو في الكتابة والقراءة، بما يغيّر الحقائق المعنية تغييراً كلياً. لأنها - الأخبار - في حقائقها الراهنة، لم تعد خاضعة للمنطق، والمنطق هو تحكيم قوانين متعارف عليها يقبلها العقل ويرتاح لها القلب فتمنع الذهن والخاطر من الانزياح نحو الخطأ.
وبإمكان اللغة العربية أن تنأى عن تحكيم المنطق أو المقروء سابقاً إذا استطاع كاتبها أن يشكّل حروفها التشكيل النحْويّ الصحيح، وما على القارئ إلا قراءة رسم الحروف قراءة (نحوية) صحيحة تحتمل كل الغرائب والعجائب التي يرفضها المنطق وتستغربها ذاكرة المقروء سلفاً. وتلك هي الصعوبة في زمن الأخبار اللحظية الراهنة!
لا حول ولا قوة إلا بالله، وإنا لله وإنا إليه راجعون. وأختم بمقطع من (قصيدة الأفراد) لا أقوله إلاّ لنفسي، في مثل هذه الحالات من الالتباس بين المنطق والمقروء:
(فإليكَ بِكْ.
صوتُ الجماعةِ لا يليقُ بما لديكَ
ولن تكونَ بهِ المَلِكْ.
فإليكَ بِكْ.
لا تقلْ لي، تحتَ عكّازِ الشراعِ: إليكَ بي
قد لا أكونُ سوى الحقيقةِ، في طريقكَ
إن مشيتَ،
وقد أجيءُ لمقعَدِكْ.
فإليكَ بِكْ.
وإليكَ بالبحرِ المغطّى تحتَ جلدِكَ
غُصْ بهِ حتى العظامَ،
وعرّف الأحكامَ بالأيامِ،
فرِّقْ ما تراه بما يراكَ
فإن جمعتَ الكُلَّ في موجٍ عظيمٍ
واقترفتَ جنايةً أخرى، وفزتَ
من الرّوايةِ بالرّواةِ،
وأنتَ في طوْقِ النجاةِ،
وأنتَ في طوْقِ النجاةِ سترتبكْ.
فإليكَ بكْ)!