فيصل أكرم
فسِّرْ خطابكَ
لا تشحْ عنّي
فلي، من بعد بابكَ، ألفُ بابْ
وافتحْ كتابكَ
لا تقلْ إنّي
قرأتُ في عينيكَ خاتمةَ الكتابْ.
هل يعرفُ أحدُنا كيف يفسّر خطابه، وكيف يفتح كتابه؟ نقول الخطابات ربما، ونختتم الكتابات ربما، وربما كانت ستكون - الآن - بداية لقصيدة جديدة، لولا اضطرابٌ عارضٌ أصابَ الحيرة: هل أنا الطالبُ أم المطالَب؟ الكاتبُ أم المكاتَب؟ لا بدّ من الحيرة في كل محاولة لإبداع، ولكن اضطرابَ الحيرة كارثةٌ تطفئ كل شرارة قبل اكتمال أيّ اشتعال.
اغدرْ بنفسكَ
لا تخنْ أحداً سواها
أمّارةٌ بالسوء؟ طبعاً؛ فاحترسْ
لا شيءَ غيركَ سوف يصبحُ
من ضحاياها.
لماذا، في كل مواجهة مع النفس، تتجلّى هي نبيلةً وتتردّى أنتَ مكّاراً؟ لماذا حجرٌ يبدو أعظمَ من صحراء؟ قال أحدُ العلماء: (الأشياء التي لا نراها هي أساسُ كل مرئيّ) وعلى هذا، إذاً، لو جمعنا كلّ الأشياء التي نراها.. سنفقد القدرة على رؤيتها مجتمعة. وربما نفقد الرؤية تماماً. لذا نحن نفرّق دائماً ونتفرّق، حتى نرى الأشياء.. ونرى بعضنا.
طأطئ قليلاً
كي تطيبَ من ارتفاعكَ في الهواءْ
املأ بهِ رئتيكَ واستجدِ الشفاءْ.
أوَ ما تعبتَ من الشقاءْ؟
أوَ ما تعبتَ من التعثُّرِ، والتكسُّرِ
وافتعالِ الكبرياءْ..؟!
طأطئ قليلاً
واختصرْ كلَّ المسافاتِ الطويلةِ باختيارٍ
بينَ من ذهبتْ يداهُ، إلى هناكَ، وحيدتينِ
ومَن بلا عينيهِ جاءْ.
قال عددٌ من شارحي (لامية العرب) للشنفرى، في تأويل البيت العشرين من القصيدة (إذا الأمعزُ الصَّوّانُ لاقى مناسمي / تطاير منه قادحٌ ومفلَّلُ) أن المقصود ذلك السجال الملتهب ما بين قدمي الشاعر الحافيتين وتلك الحجارة الصلبة التي تعترض طريقه. بينما أرى، عن معرفة بالحجارة الصلبة وأنفس الشعراء الأصلب، كنفس الشنفرى ورائعته الخالدة، أنه يقصد المواجهة الحاسمة بين كيانه، الذي هو جزء من الكون كله، وبين نفسه التي لا يراها أحدٌ - حتى صاحبها - غير أن أيّ احتكاك بها من أجل امتحانها أو استفزازها أو ترويضها؛ سينجمُ عنه شررٌ يشعل ناراً تقتل صاحبها عطشاً.