فيصل أكرم
في مقدمة الكتاب الصادر بعنوان (مدونة قرارات اللغة العربية في المملكة العربية السعودية) جمع وإعداد (مركز الملك عبد الله الدولي لخدمة اللغة العربية) يقول الدكتور عبد الله الوشمي، أمين عام المركز:
(ويأتي جمع القرارات انطلاقاً من أن اللغة العربية هي لغة الدولة، وتفعيلاً لتلك القرارات التي لم تصدر إلا عن وعي بأهمية اللغة في الحفاظ على الهوية، وإدراكٍ لخطر الإخلال بها، وتأكيدٍ على أن اللغة العربية ليست وظيفة مؤسسة منعزلة أو أفراد متخصصين، بل هي مسؤولية الجميع..)
أطالع القرارات، وعددها 149 وكلها تؤكد على مبدأ في منتهى الحزم يوجب على جميع المسؤولين في الدولة، قبل عامة الناس، الالتزام باستعمال اللغة العربية في المخاطبات كافة، ولا يمنع ذلك من ترجمة تصاحبها لنقلها إلى غير الناطقين بالعربية، على أن تكون العربية هي الأساس. والقرارات، في معظمها، صادرة بمراسيم ملكية أو تعاميم من مجلس الوزراء أو الوزارات والرئاسات والإدارات في المملكة منذ تأسيسها إلى هذه السنة (1436هـ) التي صدر فيها هذا الكتاب الذي يجمعها.. وكمثال يتصل بما سآتي عليه، هذا قرار صادر عن (وزارة المالية) برقم 1- 4250 في 29-4-1427هـ وملخصه: (التأكيد على التقيّد بما وجّه به مجلس الوزراء بشأن ضرورة التزام جميع الجهات الحكومية والمؤسسات العامة والشركات المملوكة للدولة باستعمال اللغة العربية). أقول: أطالع هذه القرارات في الوقت الذي أطالع فيه هذا الخبر المنشور في صحيفة (الاقتصادية) يوم الجمعة 18 شعبان 1436هـ، تحت عنوان عريض (في الرياض.. ممثل السعودية يتحدث بالإنجليزية وسفير الصين بالعربية!). وفي تفاصيل الخبر:
(أبدى عديد من حضور حفل افتتاح فرع البنك الصناعي والتجاري الصيني، أكبر بنك تجاري حول العالم، في العاصمة الرياض البارحة الأولى، استغراباً من تصرف نائب محافظ مؤسسة النقد العربي السعودي خلال حفل التدشين، بعد أن ألقى كلمته باللغة الإنجليزية، وزاد من حالة الاستغراب أيضاً أن ممثل الدولة الصينية، وهو السفير الصيني لي تشنغ ون، ألقى كلمة الترحيب باللغة العربية مخالفاً بذلك توقعات الحضور. حدث ذلك مساء يوم الأربعاء 16 شعبان 1436هـ حينما صعد عبد العزيز الفريح نائب محافظ مؤسسة النقد (ساما) مسرح الاحتفال مرتدياً الزي السعودي الرسمي لكنه ألقى كلمته باللغة الإنجليزية في عاصمة دولته العربية، وقدّم بعده السفير الصيني كلمته بلغة عربية طليقة فاجأ بها الحضور..)
وبعد، فلستُ أدري هل أحيّي الأستاذ تشنغ ون على تجاوزه للغة بلاده (الصينية) ولغة الاقتصاد العالمي (الإنجليزية) ليقدّم كلمته بلغة الدولة التي يتواجد فيها (العربية)، أم أعاتب الأستاذ عبد العزيز الفريح لعدم مقدرته على مجاراة نظيره في الحفل وإلقاء كلمة بلغة الضيف المحتفى به (الصينية) وعدم مقدرته أيضاً على الالتزام بقرار أساسيّ من قرارات اللغة العربية في المملكة العربية السعودية..؟؟
الواقع أنني سأختصرُ الأمرين بتقديم الشكر الجزيل لأمين عام مركز الملك عبد الله الدولي لخدمة اللغة العربية، د. عبد الله الوشمي، الذي تفضّل مبادراً بإرسال نسخ من إصدارات المركز – المتمثلة في عشرة كتب قيّمة - إليَّ.. وأرجوه أن يرسل كتاب (مدوّنة قرارات اللغة) – بشكل خاص مستقلّ - لكبار المسؤولين في جميع الجهات الحكومية والمؤسسات العامة والشركات المملوكة للدولة، تذكيراً لهم بتلك القرارات التي لو نفّذت – كما يجب - لما أصبحنا أغربَ من الغرباء في بلادنا؛ فهم أوْلى من الأدباء والشعراء بمثل هذا التذكير الجميل. أمّا بقية إصدارات المركز، الضاربة عميقاً باتجاه جذور اللغة وتفريعاتها المتطوِّرة، فهي لنا.. وعندنا قرارُها ومستقرُّها؛ ونحن في انتظارِها كلَّ حين.