فيصل أكرم
والإهداء هنا إهداءان، والرماد رمادان.. فإهداءٌ خاصٌّ وقَّعه لي الأديبُ والناشر الكبير عبد الرحيم الأحمدي على نسخة من أحد الكتب الصادرة حديثاً عن دار المفردات، وهو مجموعة نصوص لكاتبة شابة اسمها رانيا محيي الدين،
رأى فيها الناشرُ - كما رأيتُ حين قرأتُ - ما يستحق التشجيع، سواء بالإصدار والنشر والإهداء كما فعل هو، أو بالتناول والمطالعة والتأمُّل كما سأحاول أن أفعل الآن ثقة برأيه ونبل غايته.. فعبد الرحيم الأحمدي هو (الأبُ الأدبيُّ) لأجيال متعددة من الشبّان والشابّات، الذين أصبحوا مؤلفين ومؤلفات تملأ كتبهم أرفف المكتبات الحديثة، وهو بذلك يستحق تكريماً طال انتظاره ولعله يكون صعباً إذا ما أردناه من النوع الذي تميّزت به صحيفة الجزيرة (الملفات - الأعداد الخاصة بالمجلة الثقافية) فقد ينهمر سيلٌ مذهلٌ من المقالات التي تشيد به وتذكر فضله وجهوده في دعم الإصدارات الأدبية للشباب؛ هذا غير عمله الرائد على إنجاز (موسوعة الأدب العربي السعودي الحديث) ونقل مختارات منها إلى لغات أخرى.
أمّا الإهداء الآخر، فهو إهداء المؤلفة الشابة رانيا محيي الدين المطبوع على الصفحة الأولى من كتابها (أنزلني على أرض قصيدتك) فهي توجه الإهداء هكذا: (إلى جدتي، صاحبة العينين الرماديتين. دعواتها السخية لي بالحظ الطيب ساهمت في إثارة التفاؤل فيَّ وحب الحياة. فلها دعواتٌ بالرحمة وشرف السكنى في الجنان الفسيحة). وبرأيي أن هذا الإهداء له وقع عند قارئه بمثابة نص أدبي عميق، فقد مزجت فيه المؤلفة بين وصف جدتها وشكرها لها ورثائها وذكر متاعبها من بعدها وتفاؤلها بما رسخ فيها من ذكراها وأثرها. حقيقة أنا معجبٌ بهذا الإهداء الذي يصف العينين الغائبتين بالرّماد.
أمّا الرماد الآخر، ففي مطلع النص الذي حمل عنوان الكتاب (أنزلني على أرض قصيدتك) تقول المؤلفة: (جالسة هي أمام البحر، والبحر يخرجها من العصر الرماديّ..) هل أنا بحاجة إلى شرح الربط الإبداعي بين رماد عينيّ الجدّة الغائبة ورماد عصرٍ يوشك أن يغيب تاركاً أثراً عميقاً لا يقدر على إخراجك منه إلا بحرٌ مفتوحُ المدى..؟!
الكتاب يستحق قراءة متأمّلة، والكاتبة تستحقّ إعجاباً وتشجيعاً لأسباب كثيرة، منها أنها طموحة ومثابرة على امتلاك متطلبات القراءة وأدوات الكتابة باللغة العربية الصحيحة المعاصرة، وهي الفتاة المنتمية إلى دولة أفغانستان الشقيقة، وتقيم في المدينة المنورة لتتعلّم وتحاول أن تبدع أدباً بلغةٍ عربية لا ينقصها الإتقان؛ رغم صغر سنها وتجربتها الكتابية.
أكرر الشكر لأبي مروان، عبد الرحيم الأحمدي، الرجل الذي له محبة كبيرة في قلوب جميع أصدقائه ومريدي داره الآخذة بكثير من الأيدي الغَضَّة إلى مَلَكات الكتابة ونشوات النشر والانتشار، وأدعو له بطول العمر والتمكين لمزيد من دعم أدب الأجيال الجديدة الموهوبة الطامحة إلى تحقيق إنجازات تتطوّر مع التجريب والإصرار على الاستمرار الواعد بمساحات يتجلّى بها الإبداعُ المُنتظر. وأختم بمقتطف من إحدى مقطوعات الكتاب:
(لم أنسك،
لكني أرجو نسيانَ انتظاري لكْ.
توقيت عودتكَ.. واحتراقي بكْ)!