د. خالد محمد باطرفي
مرة أخرى، تحقق وزارة الداخلية نصراً مبهراً ضد الإرهاب الداخلي. فبحسب بيانها، تم القبض على 431 من نشطاء داعش، كانوا يخططون لتفجير سبعة مساجد في الرياض والمنطقة الشرقية، إضافة إلى القبض على 144 من المؤيدين.
سألتني صحيفة سعودية عن رأيي في هذا الرقم الكبير، فأجبت بأن الرقم في رأيي صغير، وأن هؤلاء الناشطين هم غيض من فيض. فمن يقف وراءهم من المؤيدين، والمحرضين، والنشطاء أكثر بكثير.
ولو شبهنا حالهم ببعوض حمى الضنك، فإن كل ما نفعله هو القضاء على بعضها فيما تبقى مراتعها تنتج المزيد. وقد يفلت بعضها فيؤذينا.
أقر بأننا لن نقضي على الإرهاب كله، فالشر كالخير جزء من طبيعة البشر. ومنذ الجريمة الأولى في التاريخ، عندما قتل أحد أبناء آدم عليه السلام أخاه، وبنو آدم يستخدمون العنف لفرض وجهة نظرهم، وتحقيق مصالحهم وفرض سلطتهم على الآخرين.
لكن هذا لا يعني أن هذه العيوب الخلقية لا يمكن أن تصحح. فمثل السرطان وغيره من الأمراض المستعصية، لدينا خيارات. أولها تجفيف المنابع بالعثور على المصدر والمسبب والتعامل معه.
وفي حالة داعش، نحن بحاجة إلى كشف الشبكات السرية والعلنية، وعمل الدراسات المتعمقة لهذه الظاهرة. ولكننا بحاجة أولاً لشجاعة وشفافية وتحمل للمسئولية، فنحن من سمح بنمو ثقافة الكراهية والتعصب. ربما، لأننا لم نكن نحسب أن ضرراً سينتج عنها. فالمرجعيات المذهبية كانت ومازالت تناقش الخلافات والانقسامات الطائفية منذ 1400 عام، والتاريخ القبيح للحروب والصراعات يستحق أن يُدرس ويدرّس.
وأضيف بأن الأميركيين ما زالوا يدرسون تجربة الحرب الأهلية في القرن السابع عشر، وسوف تبقى أوروبا تبحث في قرون الحروب الدينية. ولكن الفرق، أيها السادة، هو في ماذا ولماذا. ففي حالتنا، يقوم المذهبيون المتعصبون بالبحوث لا لمعرفة الحقائق أو بهدف تجنب تكرار أخطاء التاريخ. لكنهم يفعلون ذلك لإعادتنا إلى هذا التاريخ الدامي، وإغراقنا فيه. فاستدلالات التاريخ عندهم وسيلة لشرح ما يحدث اليوم وما هو آت. وطبيعي أنك إذا أصررت على اتهام الآخرين بما تتوقع منهم ارتكابه، فلن يخيبوا ظنك، وستكون المسئول عن تحقق نبوءتك.
أعتقد أنه آن الأوان لأن نبدأ حربنا على الإرهاب من خلال اتخاذ خطوات عملية وصارمة لتجريم ومعاقبة إساءة استخدام الدين والأحداث التاريخية. وهذا عمل كبير، لا تستطيع جهة واحدة القيام به، ويحتاج إلى تعاون الكثير من الأطراف.
في ختام مؤتمر الحوار الوطني، في جدة، اعتمد المؤتمر توصيتي بإصدار قانون لتجريم خطاب الكراهية. وكان اقتراحي ينص على إنشاء لجنة قضائية خاصة، تتبع لوزارة العدل، وتضم ممثلا عن وزارة الداخلية، بحكم مسئوليتها عن تطبيق قانون الجرائم الإلكترونية. وبذا نستفيد من الآلية التي تستخدمها الوزارة لتحديد هوية الجبناء من طيور الظلام الذين يختبئون وراء أسماء مستعارة في تويتر والفيسبوك، وتحضيرهم.
ومن شأن قانون واضح ومفصل أن يساعد اللجنة على سرعة التعامل مع حالات التجاوز والتعدي بكفاءة، وفاعلية. وبدون قانون كهذا وآلية كتلك، فإن أي شكوى أو حالة ستبقى حائرة في المحاكم العامة حتى يمل ضحاياها ولا يفكر غيرهم في اللجوء إلى القضاء.
نعم، الإسلام ونظام الحكم يحظر التمييز وخطاب الكراهية، ولكن هذه أطر عامة ومرجعية واسعة، ونحن بحاجة إلى قوانين وبنود مفصلة يمكن استخدامها، خاصة للتعامل مع حالات طارئة علينا مثل الجرائم الإلكترونية. كما أننا بحاجة إلى آلية فعالة لتنفيذ الأحكام، وهنا يأتي دور الداخلية. وإذا تحقق ذلك وتم نشره إعلامياً والتشهير بالمذنبين، فستصل الرسالة إلى كل مخرّب وصاحب فتنة وفرقة إنه لا تسامح مع خطاب الكراهية والعنصرية والتحريض في مملكة الإنسانية.
هناك وزارات أخرى نحتاج لمساهمتها إضافة إلى العدل والداخلية. فدور وزارة التعليم تربية الجيل الجديد على مبادئ الإسلام بشأن التسامح والمساواة والحريات. وليتحقق ذلك فلا بد من إعادة تأهيل بعض المعلمين وتصحيح فكرهم ومفاهيمهم، وبحال استعصى الأمر، إبعادهم عن عقول أبنائنا. كما على الرئاسة العامة لرعاية الشباب أن تستخدم مواردها وإمكانياتها للمساهمة في هذا الصدد.
ونفس الدور مطلوب من وزارة الشؤون الإسلامية فيما يتعلق بالأئمة والمعلمين والدعاة. إذ لا يكفي أن ننبههم إلى ما يفترض أن لا يقولوه أو يعلموه، بل نحن بحاجة للتأكد من مستوى اقتناعهم واتباعهم للتعليمات في هذا الخصوص. كما يجب إبعاد من يصر على الاستمرار على غيّه ومعاقبته.
وعلى وزارة الثقافة والإعلام أن تتبنى الدعوة إلى إغلاق جميع القنوات التلفزيونية المتطرفة في العالم الإسلامي. وأن تعمل مع وزارتي الخارجية والعدل بالتعاون مع منظمة التعاون الإسلامي وجامعة الدول العربية ومجلس التعاون الخليجي على إصدار قوانين موحدة تجرّم خطاب الكراهية في كل بلداننا وتطهير فضائنا الإلكتروني وإعلامنا العربي والإسلامي من فيروسات «الفتنة».
ولا ننسى دور وسائل الإعلام والبحث ومؤسسات المجتمع المدني، فبدون التكاتف بين جميع الأطراف المعنية، وتعاوننا جميعاً، خاصة النخب المثقفة والمعلّمة، لن يتحقق لنا النصر في معركتنا ضد ثقافة التطرف والفتنة والكره والإرهاب.
فاصلة: قال الإمام علي بن أبي طالب كرم الله وجهه: (ألا ما أكثر العبر وما أقل الاعتبار)!