د. خالد محمد باطرفي
التناقض وازدواجية المعايير هي نقطة ضعف الخطاب الإيراني، والخلل المفصلي الذي يمكن النفاذ من خلاله إلى عقل المخدوعين بثورية الخطاب ومثاليته.
وعندما يتهم المرشد العام للثورة الإسلامية آية الله علي خامئني المملكة بالعدوان السافر على بلد جار وشقيق، وبالإبادة الجماعية، ويكرر مقولة رجالاته في إيران، كالرئيس الأسبق علي أكبر هاشمي رفسنجاني، والرئيس الحالي لمجلس تشخيص النظام، وأبواقه العربية من حسن نصرالله، إلى عبدالملك الحوثي، وممثليهم في القنوات الفضائية والصحف المحسوبة عليهم، فإنهم يوقعون أنفسهم في مأزق منطقي كبير.
قلت للدكتور حبيب فياض، المحسوب على حزب الله، ولغيره من الأبواق التي واجهتها في البرامج الحوارية الفضائية، إذا كان من حق إيران أن تتدخل عسكريا وأمنيا وسياسيا، بريا وجويا، في بلدان عربية، بعذر دعم حكومات صديقة، فكيف تستنكر على بلدان عربية أن تستجيب لنداء استغاثة حكومة شرعية في بلد شقيق وجار، عضو في جامعة الدول العربية، حسب مقتضيات اتفاقية الدفاع العربي؟ وإذا كان من حق إيران أن تتدخل في الشئون الداخلية لدول الجوار بدعوى نصرة المظلوم، ومساندة الشعوب المضطهدة، أفليس من حق غيرها أن يفعل الشيء نفسه، ويدعم الشعوب والأقليات المضطهدة في إيران؟ وإن كان رئيس اليمن الشرعي يمكن إزاحته ودعم التمرد ضده لأنه «لم يحقق ما وعد به من رخاء وأمان لشعبه» أفليس من حق الآخرين دعم قوى الشعب الإيراني الثائر ضد رئيسه، كمجاهدي خلق والإصلاحيين، لأنه لم يحقق وعوده الانتخابية؟ ولو كانت إيران تقوم بواجبها الديني عندما تدعم الأقليات الشيعية في العالم الإسلامي، فلمَ تضطهد الشيعة العرب والأفغان والإذربيجانيين، وتدعم أعداءهم الأرمن، وتشيع الاضطراب في سلمهم الاجتماعي كأقليات في العالم الإسلامي؟ وإذا كانت بالفعل تكره إسرائيل واليهود والنصارى، وتدعو عليهم بالموت والهلاك، فلماذا تسمح لهم بإقامة الكنائس والمعابد وتحظرها على السنة في طهران؟ ولمَ توجه جيوشها وزبانيتها لقتال العرب والمسلمين، حتى تصل إلى حدود إسرائيل، ثم لا تطلق رصاصة تجاهها حتى عندما ضربتهم طائراتها وقتلت عددا من قياداتهم في سوريا؟.
إيران ليست ذات أغلبية عرقية فارسية، فهم يمثلون 40% فقط من السكان، والبقية تنتمي لعرقيات مختلفة، من البلوش والعرب والإذربيجانيين والتركمان والأكراد والأفغان. وجميعهم سنة وشيعة يعانون من الاضطهاد والإقصاء، فالدستور والأنظمة الإيرانية متحيزة ضدهم، فلا تجد منهم من يتقلد مناصب عليا في الدولة أو الحوزات العلمية أو حتى الجامعات ووسائل الإعلام. كما أن بلادهم لم تنل حقها من التنمية، رغم أن أكثر من 90% من موارد الخزينة تأتي من أراضيهم، فالبترول والغاز والمعادن في عربستان، وهي إمارة الأحواز العربية التي احتلتها الدولة الفارسية عام 1925 وقتلت وسجنت وشردت زعاماتها وقبائلها، وأفضل المناطق الزراعية في شمال وغرب البلاد، تسكنها أقليات من عرقيات مختلفة.
وبالمناسبة، فجزر الامارات العربية المحتلة هي وحدها المطلة على الخليج العربي، وبدونها ليس لإيران أي إطلالة على ما يطلقون عليه الخليج الفارسي. وعليها أقيمت محطة بو شهر النووية، والتي تهدد السكان العرب والخليج كله بالتسرب النووي في ظروف الزلازل التي اشتهرت بها المنطقة، أو الحوادث والأخطاء الفنية، علما بأن التقنية الروسية والمحلية المستخدمة متخلفة بالمقاييس الدولية.
من نقاط ضعف الخطاب الإيراني بعض أبواقه، فعندما ينتشون يكشفون مخططاتهم ويفضحون انفسهم. فهذا علي يونسي، رئيس الاستخبارات السابق، ومستشار الرئيس روحاني، يعلن قبل أسابيع أن الإمبراطورية الساسانية عادت إلى الحياة، وستستعيد أمجادها، فالعراق ضم إليها، وبغداد التي أقيمت على أنقاض المدائن، عاصمة الإمبراطورية، ستكون عاصمتهم الجديدة. ومثل يونسي عشرات من الملالي والشخصيات الإيرانية والعربية التي أعلنت أن فارس استكملت الهيمنة على أربع عواصم عربية، بغداد ودمشق وبيروت وصنعاء، وأن على دول المنطقة، وقائدتهم السعودية، أن تقر بهذا الإنجاز وتقبل بسيطرة إيران، كقوة عظمى على الشرق الأوسط.
هذا الخطاب الفاضح للنوايا تكرر من أذناب إيران وعملائها في المنطقة، فنصر الله، والحوثي، وأبواقهم الإعلامية يعلنون إيران خلافة ومرجعية إسلامية والولاء للولي الفقيه يتقدم على أي ولاء للوطن أو للقومية العربية. وفي نشوة الانتصار، يتبجح الحزب والحوثيون بتهديد صريح لأمن بلاد الحرمين ودول الخليج، وبحق الحرب بالوكالة عن إيران ضد الشعوب العربية، كما يحدث في سوريا والعراق ولبنان واليمن، وكما حاولوا وفشلوا في البحرين.
الخطاب الإيراني متناقض ومفضوح، ويمكن الرد عليه بسهولة، بشرط التعرف على الخصم جيدا، وتحليل إستراتيجياته ومنطلقاته ومواقع ضعفه وقوته. كما أن علينا أن لا نقع في فخ الطائفية ومستنقع الكراهية التي وقعت فيه إيران، وأوقعت البلدان التي هيمنت عليها، وتريد توريطنا فيه. فالصراع معهم صراع مع طموحات إمبراطورية تعود إلى ما قبل الإسلام، ولا علاقة لها بالدين ولا بالمذهب، حسب اعترافاتهم وسياساتهم، فهم يدعمون جمهورية أرمينيا النصرانية ضد دولة إذربيجان المسلمة الشيعية، وهم يطاردون معارضيهم من الشيعة، وبعضهم من كبار علمائهم، حتى في المهجر، وهم يضطهدون ويحتقرون العرب الشيعة والسنة على السواء. وكتابهم المقدس «الشاهنامة» («كتاب الملوك» أو «ملحمة الملوك») ألفه الفردوسي أبو القاسم منصور في فترة الـ 1000م، ويعد الملحمة الوطنية لبلاد فارس، يعلي من قدر الفرس ويحط من غيرهم، وخاصة العرب، الذين يعتبرونهم خدم فارس وعلف مدافع جيوشها.
لنفضح مخططات الساسانيين الجدد بوعي وحكمة، ولنواجههم بعقل وتدبير، ولنؤسس خطابنا المضاد بعلم ووعي، وتفهم وتسامح، ولنبثه إلى الداخل الإيراني، وإلى الجاليات الإيرانية التي هاجرت بالملايين إلى الخارج من خلال قنوات ناطقة بالفارسية واللهجات العالمية والمحلية الأخرى.وعلينا في الوقت نفسه أن نحذر من الوقوع في شرك الطائفية فهي سمهم وعلقمهم وسلاحهم الذي دمروا به كل بلد هيمنوا عليه.
كفى الله بلادنا شرورهم، وجمع بين قلوبنا ووحد صفوفنا بكل طوائفنا خلف قيادتنا الحازمة الراشدة، ومتعنا بالأمن والأمان والسلم الاجتماعي، ونصرنا على أعداء الإسلام والأمة، انه نصير المؤمنين.