اللواء الركن م. سلامة بن هذال بن سعيدان
وانطلاقا من أن العاقل لا يقول كل ما يعلم، وأن ثمة أوقاتاً يضر فيها الخطأ ولا ينفع فيها الصواب، فإن الصوت الناقد سواءً أكان مصدره من موقع رسمي أو من مطبوعة معتمدة أو من أي مصدر آخر، ينبغي
لصاحب هذا الصوت أن يراعي أدبيات النقد، ويكون نقده هادفاً، يبني ولا يهدم، ويستر ولا يفضح، وينفع ولا يضر، ولا يجعل من النقد مادة للإثارة، ووسيلة إلى الإساءة إلى الغير، والإنسان عادة يذكر الأشياء بقدر ما فيه منها، والذي يكثر من ذكر عيوب الناس، يدلِّل على ما فيه من هذه العيوب، والنقد البناء يصف الحالة المراد وصفها مستخدماً عبارة ما بال أقوام أو ما يقوم مقامها، دون أن يشخصن الموضوع أو يذكر الأسماء، وقد قال أكثم بن صيفي: رب قول أنفذ من صول، وقال عبدالله بن مسعود: حسب امرئ من الكلام ما بلغ به حاجته.
وينبغي ألا يغرب عن البال أن هناك رموزاً بلسان الصدق موصوفة، وبالوطنية معروفة، وهذه الرموز لها من المحامد حصونها، ومن المآثر ما يصونها، ولا تصل إليها الكلمة العوراء، والذي يحترم الكلمة ويزنها بميزان العقل ينظر إلى تاريخ رموز وطنه بنظرة وطنية تكاملية، تجمع بين الرمز والأمة والوطن، وكل منها مرآة عاكسة يمثل بعضها بعضاً، وهذه النظرة لا تسمح لأحد بالنيل من أي رمز من رموز الوطن أو التقليل من شأنه لانعكاس ذلك على تاريخ الأمة والوطن، ناهيك عن أن الميِّت له حرمته، ولا يذكر إلا محاسنه، وموروثه من المجد والمآثر التي خلدها.
وقد رأى عمر بن الخطاب قوماً يتبعون رجلاً مأخوذاً في ريبة، فقال: تبّاً لهؤلاء القوم لا تجدهم إلا أين يوجد الشر، وبعض مَنْ يتعاطى مع الإعلام من المحسوبين عليه، يستهويه هذا الأمر، وينطبق عليه ما ينطبق على أولئك القوم، فتجده إذا ما طرأ موقف غير محبب تدخّل فيه كيفما اتفق، لأنه يتفق مع ميوله المشاغبة، ويخدم نواياه الكاذبة، ولا يجد نفسه إلا في هذه المواقف، وأصبح عامل إفساد من حيث تظاهر بالإصلاح، وهذا النوع من الناس إذا ما صادف له أن يتدخل في أمر ليس عليه حرج في التدخل فيه، حام حول الهدف المشروع، والتف على المقصد الظاهر، وقاده هواه إلى إتهام الناس في نواياهم، وذهب به خبث الطبع إلى التجني على غيره والغمز واللمز من طرف خفي في الدين، متخذاً من الالتزام حجة على الملتزم، وواضعاً المثالب البشرية في قوالب دينية، وكما قال الشاعر:
شر السلاح ثلاثة يخشى
على أصحابها وعلى سواهم فاتقِ
موسى بكف الطفل أو قلمُ بكف
النذل أو مالُ بكف الأحمقِ
ومن الشواهد على سوء إستخدام الكلمة وإطلاقها على نحو يكون له مردود عكسي، أن هناك من كتب عن تنظيم داعش في الصحف أو تحدث عنه عبر قنوات فضائية على أثر التفجيرات الأخيرة في المملكة والكويت، وتناول ذلك بشيء من العفوية والسطحية، حيث تبنَّى وجهة النظر الإيرانية والتنظيات المرتبطة بها مذهبياً، تلك النظرة الطائفية المعادية للسنة التي تستغل هذه الأحداث لشحن الشيعة عاطفياً ضد أوطانهم وقوميتهم، وكان الأولى بهؤلاء إبراز الحقائق، ولفت النظر إلى مَنْ تشير المؤشرات وتدل المعطيات على أنه يقف وراء هذه التفجيرات والممارسات الإرهابية، ومن هو المستفيد منها، ومَنْ هو المتضرر؟ إذ ليس المعوَّل عليه هو التفجير ذاته أو الجهة المستهدفة نفسها، بل المعّول عليه هو النتيجة المترتبة على ذلك والفوائد والأضرار الناجمة عنها، والأهداف القريبة والبعيدة.
وحتى لو نجح أعداء الإسلام السني في مخططهم، وأوجدوا هذا التنظيم التكفيري من المحسوبين على الإسلام، وكان المنفذون للأعمال الإرهابية والمتورطون فيها من المغرّر بهم مَّمنْ ينتمون إلى المذهب السني وبعضهم ينتمي إلى المملكة، وهم عبء على المملكة وعمل غير صالح، فهذا التنظيم ليس سنياً، وإن ارتدى جلباباً سنياً مزيفاً، نسجه له وألبسه إياه الصهاينة والفرس والنظام النصيري، ومن شايعهم ورعاهم، والأدوات المنفذة تتبع دائماً للرعاة المخططين، والصنيعة تنفذ أوامر من صنعها، وتنظيم داعش صنيعة غيره، وقد يكون عند الأمريكان الخبر اليقين، وإيران هي التي ترعى الإرهاب في المنطقة وهي المستفيدة منه بعد إسرائيل، وبعض التفجيرات تنسب إلى تنظيم داعش وهو ليس المسئول عنها مثل تفجيرات اليمن وسيناء وغيرها، وإنما أصبح التنظيم مشجباً يعلق عليه إرهاب الجهات التي ترعاه وتتخذ منه هذه الجهات شماعة وغطاء لاستهدافاتها واقترافاتها، وهدف هذا التنظيم يلتقي مع هدف إيران الذي هو إضعاف الإسلام السني وتصفية السنة العرب وتقسيم دولهم، وهذا هو هدف إسرائيل.
وتنظيم داعش تنبع خطورته من خطورة الجهات التي تدعمه وتغذيه، والبيئة المضطربة والموبوءة التي ساعدت على وجوده، ولولا النظام السوري والنظام العراقي وإيران، لما وجد هذا التنظيم البيئة التي احتضنته ونمت قوته فيها، وتداعت له الخلايا المغرر بها من كل مكان من دول العالم، والفكر التكفيري لهذا التنظيم، يقابله الفكر الصفوي الرافضي والنزعة الشعوبية في إيران، وبعضها يخدم بعضاً، الأمر الذي يتطلب مواجهة هذا الخطر بالجمع بين مقارعة العقل بالعقل ومصارعة العضل بالعضل، والاعداد والاستعداد، تصدياً لما هو قائم، وتحسباً لما هو قادم.
واليراع الذي تمسك به يد كاتب عاقل، ينطلق عقله من نفس كريمة، لا جرم أن يحرص هذا الكاتب كل الحرص على ألا ينزف مداده فيما لا طائل من ورائه، ولا يغرق في متاهات المهاترات والاهتمامات الدونية، بل يرقى باهتمامه إلى العلوم النافعة والآداب الجامعة، ويسخر قلمه فيما يخدم دينه ووطنه وقضايا أمته، ويحترم الكلمة التي يكتبها، آخذاً في حسبانه التمييز بين الكلمة التي تؤتي محصولها، وتفعل مفعولها، وتلك التي يُؤتى منها كاتبها، وتؤخذ حجة عليه، خاصة وأنه قد وضع نفسه بالنسبة للقراء في موقع الاستشراف، ومرمى الاستهداف، وأصبح للرامي مستشرفاً وللناقد مستهدفاً.