أحمد محمد الطويان
نعم، نعرف جميعاً من يقضي معظم وقته في الطائرة متنقلاً بين عواصم العالم، ونعرف مواقفه السياسية القوية، وحضوره المؤثر. نعرف بأنه مارس السياسة بنبل، وخدم وطنه في ظل خمسة ملوك. نعرف عن سعود الفيصل بأنه اشترك في صناعة السياسة الخارجية للمملكة تحت توجيهات وقيادة الملوك خالد وفهد وعبدالله وسلمان. والذي نعرفه أيضاً أن الأجيال القادمة ستخسر كثيراً؛ لأنها لم تعش زمناً كان فيه سعود حاضراً بقامته الشامخة،
وحنكته السياسية النادرة؛ لأن الأجيال القادمة ستتعرف عليه من خلال الكتب التي لن تغفل أحد صناع السياسة العربية في العصر الحديث.
اهتمامات الأمير سعود الفيصل البعيدة عن السياسة تُظهر مكنونات شخصية ساحرة، اكتسب وهج التميز بجدارة. كان يشغل باله التعليم، وأولاه جزءاً كبيراً من اهتمامه. وكنت في حديث مع أستاذي الأستاذ الدكتور محمد الخطيب، الذي شغل منصب المدير العام لمدارس الملك فيصل، وعمل مستشاراً تعليمياً للراحل، وأمضى في القرب منه أكثر 11 عاماً. وهذه المدرسة النموذجية كانت حلم سعود الذي تحقق، وكان هاجسه أن تتمكن مؤسسة تعليمية رائدة من تخريج قيادات سعودية وطنية متسلحة بالعلم، وقادرة على التعامل مع مصادر المعرفة بوعي رفيع وإصرار على تحقيق الطموح. الراحل رغم أعماله ومشغولياته حرص على متابعة التفاصيل في المؤسسة التعليمية التي يرأسها. يُضاف ذلك إلى مجموعة أعمال اجتماعية مهمة، لها انعكاسها المباشر على التنمية. وكان لسعود الفيصل أدوارٌ بعيدة عن السياسة الخارجية، وهي مجال عمله الرئيس. كان يكلفه بهذه الأعمال عمه الملك عبدالله - رحمه الله - ثقة بعقلية الفيصل الفذة، وبقدراته القيادية. وكان له الدور الواضح والملموس في مجالات كثيرة، وبقيت لمساته شاهدة على فعاليته ودوره الوطني الكبير.
بعد إلحاح الفيصل على عمه وقائده خادم الحرمين الشريفين بإعفائه من أعباء المسؤولية والركض المستمر في ميادين السياسية، أبقاه سلمان الوفاء إلى جانبه مستشاراً أميناً ومشرفاً على الشؤون الخارجية، وأبقى عضويته في مجلس الوزراء الذي أثراه الراحل سعود الفيصل بالآراء والأفكار والمقترحات المتميزة.
سعود الفيصل الذي كان يعشق الطيران، ويهوى التنس الأرضي، وعُرف عنه اطلاعه الواسع على التاريخ، وحفظه لأبيات الشعر العربي الخالدة، والذي اهتم بالحياة الفطرية وتنميتها، وشغل باله التعليم وتطويره، غادرنا مرفوع الرأس، بعد نصف قرن من الزمان في خدمة الوطن والمواطن.. والذاكرة السعودية ستحفظ الكثير من المواقف الحاسمة التي ارتبطت بسعود الفيصل، وارتبط بها.
حفظ الله وطناً يشمخ بالمخلصين من أبنائه.