أحمد محمد الطويان
أجريت قبل يومين لقاءً تلفزيونياً مع الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي لقناة العربية، وهو الحديث التلفزيوني الأول الذي يجريه الرئيس منذ تسلُّمه رئاسة الجمهورية اليمنية.. هادي ليس من هواة الكلام وليس كما يصوّره خصومه بأنه ضعيف ومرتبك، الموضوعية المهنية تقتضي طرح تساؤلات يتطلبها الموقف السياسي، وإجابات هذا النوع من الأسئلة تكشف الشخصية والرؤية والهدف في كثير من الأحيان..
تعاملت مع الرئيس عن قُرب وعرفت أنه لا يقبل بدولة مقسّمة وتعيش ويلات الخوف والفقر والجهل، ولو أني أيضاً لست مقتنعاً بشكل كامل بأمور تنفيذية من الممكن أن تكون أفضل، وتساير بشكل ملموس الجهد السياسي والعسكري المبذول من التحالف الذي تقوده السعودية.
رفض الرئيس تسمية لقاء جنيف المزمع عقده بين الأطراف اليمنية بـ «محادثات»، وقال إنها مجرد نقاشات هدفنا منها تطبيق قرار مجلس الأمن 2216 رافضاً التصالح مع الحوثي في هذه الظروف، وجعل طاولة الحوار مرتبطة بوثائق مرجعية هي مخرجات الحوار الوطني، والدستور الاتحادي، وحوار الرياض.. أي لا حوار مع الحوثي ولا اعتراف بوجوده السياسي بدون احترام المرجعيات الرئيسة.
كشف الرئيس ما أسماها باتفاقية النقاط العشر بين الحوثي ونجل صالح، لتحويل اليمن إلى «ولاية فقيه» في رداء زيدي مشوّه لا يمت للزيدية بأي صلة، مقللاً من تمثيل الحوثي وأهميته على الأرض ومن القبول الشعبي له حتى في الأوساط الزيدية.. السؤال هنا: ما الذي أعطى الحوثي القوة في ترهيب المواطنين وجعلهم ألعوبة في يديه، ولماذا لم تقم الدولة اليمنية بواجبها إبان حكم صالح؟.. الإجابة في الأداء السياسي لصالح، الذي حارب أطرافاً متضادة في العلن، وتحالف معها في الخفاء، خدع صالح بحسب فهمنا لما قاله هادي كل الأطراف، أوهم أميركا بأنه سينظف اليمن من القاعدة، وأبقى علاقاته معها، حارب الحوثي? مرات، ولكن في الحقيقة كان يمد خصمه المزعوم بالسلاح والذخيرة، وأبقى الحروب في إطار إعلامي بعيدة عن الواقع، تحالف مع إيران دون أن يشعر أحد وحاول الاستفادة من إيران لإفشال المبادرة الخليجية ليبقى في السلطة لأكبر فترة ممكنة.
صالح ثعلب سياسة، لا يمكن لأي طرف الوثوق به، وعمل على اختصار الدولة به واستأثر بالسلطة والتسلط على كل المؤسسات مغيّباً دورها الوطني ومقدّماً دورها القبلي والطائفي، فلا جيش باليمن ولا وجود لليمن في الجيش، وعندما خرج من منصبه خرجت معه المؤسسات، وعندما قرر هو ونجله الانقلاب على الشرعية تكشفت أمور لم تكن واضحة بهذا الشكل من قبل.
قوة صالح في مكره، وهي قوة لا يطول أمدها لا تلبث إلا وتسقط وتتداعى، ويحتاج بين الفينة والأخرى إلى إعادة بنائها، وطريقة بنائها اللعب على التناقضات، كيف نسي سقوطه المدوي بصرخة من الشعب اليمني؟ وكيف يريد الساقط شعبياً أن يقتلع الكرسي من تحت الجالس الشرعي؟ من دون أي إحساس بالدولة وبقائها وسلامها الوطني، هذا ليس رأيي، بل ما تقوله الأصوات المقهورة التي لم تفلح آلة الترهيب إخفاءها.
نحن أمام دولة اللا دولة وقانون اللا قانون وبقاء هذا الحال يعني إعادة إنتاج البطالة والفقر والجهل والمرض، يعني تسيُّد الطائفية والقبيلة والزعامة الفردية على حساب الدولة، يعني المزيد من الفساد والمحسوبية وقبض مرتبات بلا وجه حق، تستنزف خزينة الدولة، ليس من أجل هادي الذي قاده ربما حظه العاثر للإمساك بالسلطة في وقت حرج، بل من أجل وطن يريد (بعض من 10% من سكان محافظة من محافظاته) أن يفرضوا إرادتهم على أكثر من 25 مليون يمني.
إذا كانت إعادة الشرعية تحدياً كبيراً، فالتحدي الأكبر هو إعادة بناء الدولة.