فهد الحوشاني
أصوم بعضاً من أيام هذا الشهر الفضيل خارج المملكة، في غير ديار المسلمين لا تخالجك نفس المشاعر التي تنساب إلى روحك عندما تكون في بلدك أو في أي بلد إسلامي، فلا توجد أية مظاهر مما تعوّدت عليها الأذن والعين! ورغم أنني لا اتفق مع من يمارسون الهجوم الكاسح على الأسواق ليلة الإعلان عن شهر رمضان إلا أن رؤية (المقاضي) وهي تتكدس في المطبخ يعني شيئاً ما! ربما هي أحد أساليبنا في التعبير عن فرحتنا بقدوم هذا الشهر الكريم! لنتصور أن شهر رمضان يحل علينا ولا أحد يهتم، لا الأسواق ولا المطاعم وليس هناك تغيير في مواعيد العمل ولا مواعيد النوم والسهر ولا شيء في الحياة يتغيّر! رمضان يغيّر حياتنا ويضيف الكثير من الجمال والحيوية والروحانية إلى حياتنا الاجتماعية، حيث تتواصل الأسر، وتجمع وجبة الإفطار أفراد العائلة وتُقام موائد الإفطار الجماعي في المساجد، وتعمر بالمصلين ويجتهد الكثيرون في العبادة وفعل الخير وغير ذلك من المظاهر الجميلة! هنا في بلاد الفرنجة كل ما حولك لا يعنيه رمضان في شيء، لزاماً عليك أن تمارس نفس التزاماتك وارتباطاتك لا تغيير في نظام الحياة، لذلك أعتقد أن بعض ما نفعله وإن كان فيه شيء من الإسراف إلا أنه يعبّر عن فرحتنا وسعادتنا بقدوم رمضان، في المطبخ الصغير، حيث الشقة التي استأجرتها أحاول أن استحضر بعضاً من أجواء رمضان خاصة في وجبة الإفطار، أحضر قهوتي العربية بطريقتي الخاصة أضع القهوة والهيل معاً، ليس بالضرورة أن أفعل كما هي التعليمات التي كتبت لي في ورقة خاصة بتحضير أطباق رمضانية. بالممارسة وبطريقة المحاولة والخطأ وجدت أن النتيجة واحدة، رائحة القهوة بعد غليانها تملأ المكان.. ما أطيب هذه الرائحة. الإفطار عبارة عن تمر وحليب وفواكه وشربة مختلفة نوعاً ما عمّا تعوّدت عليها، في بقالة الهندي القريبة وجدت سمبوسة جاهزة وأيضاً مشروب التوت الأحمر قادماً إلينا من مصنعه بالدمام - ولكني أفضل الماء والحليب الطازج! انظر للساعة فإذا وصل المؤشر إلى الساعة الثامنة وعشرين دقيقة أبدأ الإفطار، كل ما حولي يسكنه صمت لم أتعوده في هذا الوقت عندما أكون في الرياض! فهناك أنا لا أفطر وحدي، فما إن تنطلق أصوات المؤذنين حتى أشعر بأن كل من يسكن الحي يفطر معي. لن تشعر بأنك تفتقد متعة الاستماع إلى أصوات المؤذنين إلا عندما تفطر في بلد لا يرفع فيه صوت الأذان! هنا أنا وحدي وسط دهاليز الصمت أعد وأتناول وجبة الإفطر!.. أفتقد رائحة الطبخ في البيت وأصوات الأهل... حين يرتفع الأذان فتنطلق حناجر الأطفال (أذن.. أذن). وحولك المستغفر الذي راح يدعو لنفسه ولمن يحب، لا أهتم كثيراً بنوعية الأكل لكن سفرة رمضان المليئة بما لذّ وطاب على الإفطار هي تقليد حبيب إلى العين والنفس!
رمضان في المملكة يختلف كثيراً عنه في الغربة، لعله أيضاً يشعر مثلي بغربته! ولا أستبعد أنه وهو يحل على هذه البلدة الهادئة المطمئنة والجميلة ذات الأنهار الجاريات والأشجار الباسقات يردد مثلي قول شاعرنا الكبير أبي الطيب المتنبي:
مغاني الشعب طيباً في المغاني
بمنزلة الربيع من الزمان
ولكن الفتى العربي فيها
غريب الوجه واليد واللسان