الجِعْرَانة هي موضع شمال مكة بينها وبين مكة ثمانية عشر ميلا على ما ذكر في مختصر معجم معالم مكة التاريخية، وتقع شمال شرقي مكة وفيها علما الحدّ، وإن جبل السّتار يقع قرب الجعرانة من الجنوب وهي في صدر وادي سرف وجعرانة منها أحرم الرسول صلى الله عليه وسلم بعمرته الثالثة على ما نصت عليه الروايات وفيها مسجده الذي صلى فيه وأحرم منه عند عودته من الطائف بعد فتح مكة وبالقرب من مسجد رسول الله بئر واسعة عذب ماؤها.
كانت جعرانة تسمى العمرة الكبرى والتنعيم بالعمرة الصغرى ومن ذكرياتي الرمضانية في طفولتي كان معظم أهالي مكة المكرمة يخرجوا لأداء العمرة ويرتبوا لذلك الخروج كمجموعات وإن أفراد هذه المجموعة لا يقلوا عن ثلاثين رجلاً بل بعضها قد يزيد ويتضاعف، كنا نخرج بعد أداء صلاة العصر مباشرة من مسجد الحي والجميع قد ارتدى ملابس الإحرام ماعدا القليل فضّل أن يخلع ملابسه ويرتدي الإحرام وينوي بعمرته قبيل خروجنا من مكوثنا في جعرانة، حيث كنا نمكث هناك لما يزيد على العشر ساعات، كان خالي محمد عبدالله عبد الملك نجار -رحمه الله- يحرص في الخروج سنوياً مع مجموعات أهل الحي في الليالي الوترية وكان رحمه الله يصطحبني معه لأداء العمرة، كان الترتيب لهذه العمرة بأن يحضر كل فرد ما قسم من المأكولات والمشروبات الرمضانية المعروفة لتناولها أثناء الإفطار فتحرص كل أسرة بالتجهيز لإعداد ما لذ وطاب أما وجبة العشاء والسحور فكان يتم طبخها وإعدادها هناك من قبل مجموعة من مهامها إعداد وجبة العشاء والسحور. كان تجمعنا من قبل صلاة العصر في مسجد الحي وتحركنا إلى جعرانة مباشرة بعد أداء الصلاة كانت مجموعتنا تعرف بمجموعة العم محمد آبا والشيخ علي نور والأستاذ عبد الملك الفاضل -رحمهم الله- كنا نركب بما هو معروف “باللوري” ذو الحجم الصغير ومن الميكروباص المسمى “بالأنيسة” ويسبقنا بما هو معروف بالجيب الأحمر “الفورد” حيث كنا نضع في الجيب كل المستلزمات المطلوبة لمكوثنا هناك من طعام وشراب ووسائل للراحة من فرشات وجوالين مياه للاستخدام منها ومن ثم نرجعها ملئ من ماء البئر الموجودة في جعرانة، والخرفان والحطب لإعداد وجبة العشاء والسحور وجميع الحاجيات الأخرى مثل “الدوافير” و “الأتاريك والفوانيس”للإنارة لتجهيز وإعداد الموقع لاستقبالنا، كنا نصل قبيل المغرب بوقت كبير كان هناك مجموعة تحضر لوجبة الإفطار وهي مهام بسيطة بفرش السفر وتجهيزه وعمل القهوة والشاي، أما المجموعة الموكلة بإعداد العشاء ووجبة السحور فمهمتها كما هو معروف الذبح والسلخ وشب الحطب بعد تناول الإفطار والبدء في تجهيز العشاء والسحور، كنا بعد أداء صلاة العشاء والتراويح كان الشيخ علي -رحمه الله- يلقي علينا بعض من الدروس المستفادة عن فضائل شهر الصيام وكيف كان السلف الصالح يتنافسوا في الإستزادة من الأعمال الصالحة التي تقربهم إلى المولى عز وجل في هذا الشهر الكريم الذي تتضاعف فيه الحسناوتمحى فيه السيئات كان مكوثنا في جعرانة في سبيل الله وتحري ليلة القدر ونحن نتدارس الذكر الحكيم ونقرأ كتاب الله العظيم لحين الانتهاء من صلاة القيام وتناول وجبة السحور ومن ثم نتوجه إلى مكة إلى بيت الله الحرام لإكمال شعائر العمرة وكنا نوقت للإنتهاء من شعائر العمرة مع قيام صلاة الفجر حيث كنا نؤديها في بيت الله ونستلهم من الرب أن يعمنا برحمته ونفحاته ويتقبل منا عمرتنا وصيامنا مع القيام فهذه صورة من صور فضائل هذا الشهر الكريم التي يسعى بالتذكير لها القريب والجار والأخ والصديق، صور تبين تكاتف أفراد الحي والمجتمع فيا لها من أيام رمضانية بعاداتها المكية التي تقربنا إلى الله زلفى. فاللهم اجعله على أمة الإسلام والمسلمين في كل الأوقات والأزمان رمضان خير وبركة ويعيده على الأمة الإسلامية وهي في أحسن حال.
- المستشار الدكتور عصام حمزة بخش
drebakhsh@hotmail.com