رعت الشريعة الإسلامية حقوق المرأة، في جميع الأحوال، فكان مما نادى به الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم في المجمع العظيم في حجته منوهًا بحقوق المرأة وأمرًا بتقوى الله فيها بل إنه عليه الصلاة والسلام قرر القاعدة الإسلامية العظيمة وهي قاعدة العدالة والإنصاف التي نطق بها في قوله صلى الله عليه وسلم: (إنما النساء شقائق الرجال).
قال أبوبكر ابن العربي في تفسيره في قوله تعالى: (( )) قال علماؤنا: أما نصيبهم في الأجر فسواء، كل حسنة بعشر أمثالها، للرجل والمرأة كذلك، واسألوا الله من فضله، وأما نصيبهم في مال الدنيا فبحسب ما علمه الله من المصالح، وركب الخلق عليه من التقدير والتدبير رتب أنصباءهم، فلا تتمنوا ما حكم الله به وأحكم بما علم ودبر حكمه ا. هـ.
ومن هذا المنطلق فقد قامت الأنظمة القضائية في المملكة العربية السعودية - وهي الأنظمة المستقاة من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم - بحفظ الخصوصية للمرأة والنص على حقوقها والتأكيد على مراعاة جانب المرأة امتثالاً لوصيته عليه الصلاة والسلام.
ولما كانت قبل نشأة الدولة قد انتشرت الأعراف والعادات والتقاليد المتعارضة مع الإسلام لدى الكثير، وتعمق الموروث الثقافي المهين عن المرأة في هضم حقوقها والتعدي عليها، بل ومنعها عن أخذ حقها الشرعي من طريق القضاء، فيأتي زوجها أو أخوها أو والدها يمنعها عن المطالبة بذلك من طريق الشرع، كان هناك من يطالب بحقوقهن وجعل من بيته ملجأ لهن حتى يعرض على القضاء الشرعي ويحكم فيه شرعًا، كما سعى للإصلاح بين الزوجين، هو صاحب السمو الأمير سلمان بن محمد بن سعود آل سعود -رحمه الله- (توفي عام 1394هـ).
وقد كانت مكانته عند ابن عمه وصديقه جلالة الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود -رحمه الله- عظيمة، فكانا يتبادلان الزيارات، بل كان له الناصح الأمين الصادق الولاء والحب والطاعة.
كما عرفوا عنه ارتباطه بالعلم الشرعي، وتدينه وحرصه على تطبيق الشريعة على نفسه ومن حوله.
وهو مشهور بشجاعته فيعد الأمير سلمان -رحمه الله- من أبرز فرسان آل سعود المتآخرين، ولهذا فقد اشتهر عند الناس بلقب (فارس آل سعود) وقد وصفه الكاتب فهد المارك بالأمير الفارس، وقال عنه الأمير سعود بن هذلول -رحمه الله- هذا الأمير من أشهر الفرسان الذين عاصروا الملك عبدالعزيز.
كما عرف الأمير سلمان بالكرم، وحب البذل، ولذا كان ملجأ بعد الله عز شأنه للضعفاء وذوي الحاجات وكان شديد السعي في قضاء حوائج الناس ومساعدتهم.
فلما علم الناس منه هذه الأمور قام بعض النساء الآتي يرين أن لهن حقًا قد تُعدي عليه ويردن استرداد حقهن باللجوء للأمير سلمان الذي يقوم بنصرهن في ذلك وإبقائهن عنده في منزلة وحمايتهن ممن يريد التسلط عليهن أو يريد أذيتهن فيقوم بالإصلاح بين المرأة وزوجها أو أن تحال قضيتها إلى القضاء الشرعي للنظر فيها، ويبقين خلال هذه الفترة ولو طالت عنده يطعمهن ويتولى شؤونهن.
كما ذكر لي الشيخ سليمان اليحيى - حفظه الله- وكان من المقربين من سموه أنه إذا جاءت المرأة تشتكي زوجها كان يبقيها عند أهله في البيت ثم يرسل لزوجها ويسعى في الإصلاح بينهما.
وصاحب السمو الأمير سلمان بن محمد بن سعود آل سعود قد يكون من أوائل الدعاة في هذه الدولة المباركة المملكة العربية السعودية - إن لم يكن الأول - الذين وضعوا برنامجًا عمليًا يحافظ على حقوق المرأة الشرعية ورفع الظلم عنها وعمل الإصلاح الأسري بين الزوجين ودعم الحكومة في ذلك وتطبيقه عمليًا قبل أن تنشأ الجهات الحكومية والاجتماعية.
وأرى أن تنشأ باسم سموه مؤسسة خيرية تعمل في مجالات خيرية عدة منها عمل ما يرفع من شأن المرأة ويحافظ على حقوقها الشرعية، تحقيقًا لما جاء به هذا الدين دين الإنسانية والمحبة والسلام الذي يرفض أن يكون بيننا من يقوم بالتعدي على المرأة بأي شكل من الأشكال، ومساندة لجهود الدولة رعاها الله في المنع من التعدي على حق المرأة الشرعي، واحترام مكانتها فهي الأم والابنة والزوجة، فيجب أن نعمل جميعًا من أجل التوعية والعمل على القضاء على كل شكل من أشكال العنف، وأن نلتزم بالأوامر الشرعية والنظامية في التعامل مع المرأة، وأن نجعل مثل هذا الأمير الصالح الباذل نفسه وماله وجاهه للدفاع عن حقوق المرأة الشرعية نبراسًا لنا في ذلك.
أحمد بن عبدالرحمن بن رشيد العوين - باحث شرعي وتاريخي