سعود الفيصل... صديق الصحفيين في عواصم العالم ">
الجزيرة - محمد العيدروس:
-- يرتبط الأمير الفقيد سعود الفيصل - رحمه الله - بعلاقات واسعة ووطيدة مع الإعلاميين والصحفيين من جميع بقاع العالم.
ولم يكن سموه - رحمه الله - يمنع أو يصد أي مراسل أو صحفي من الاقتراب منه أو سؤاله عن قضية ما.
كما أنه على مرّ عشرات السنين الطويلة لم نسمع أن سموه تصادم مع صحفيين أو أصدر بياناً تصحيحياً أو نفياً لما سبق أن صرح به.
-- ليس مبالغة في القول إن قلنا إن سموه كان صحفياً بالفطرة والميول، ولأنّه كذلك فقد كان يشعر بمعاناتهم ويقدر جهودهم ويلتمس لهم الأعذار، وبالتالي فلم يبخل في أي مناسبة كانت أن يدلي لهم بتصريحات سواء عامة أو خاصة.
وسعود الفيصل (تحديداً) لم يكن يميل لصحفي دون آخر أو مطبوعة دون الأخرى، ولم يكن يعنيه إن كان هذا الصحفي مسؤولاً ومتفرغاً أو مجرد مراسل متعاون.
-- كان لطيفاً وبشوشاً وجاداً في الوقت نفسه مع الجميع.
ولأنّ سمو الفقيد الراحل كان متمكناً ومتمرساً وخبيراً في عمله، لم يكن يجد حرجاً في الإجابة على أي تساؤل صحفي يوجه إليه.
وكان ذكياً.. دبلوماسياً.. محترفاً في تصريحاته وإجاباته. ويُعرف بذكائه في تمرير ما يريده هو وليس ما يريده الصحفي الفضولي.
-- وكان سموه - رحمه الله - الوزير الوحيد تقريباً الذي يجبر بخاطر الصحفيين بعد الاجتماعات الساخنة.
وحتى في الاجتماعات الحساسة جداً وحيث كان طبيعياً أن يتحاشى نظراؤه وزراء الخارجية الصحفيين كان سموه يقف لهم بكل ثقة ويجيب عن تساؤلاتهم أياً كانت.
-- قبل 13 سنة تقريباً.. خرج سموه في مطار الملك خالد الدولي بشكل سريع ولم أتمكن من سؤاله آنذاك لكثرة الإعلاميين حوله، ولقصر تجربتي في الأسئلة المباشرة مع المسؤولين الكبار.
وبعد مغادرة الجميع.. عاد سموه - رحمه الله - (فجأة) إلى مبنى المطار مجدداً ويبدو أنه أراد دخول دورة المياه ثم المغادرة.
لمحت سموه (وحيداً) وهو يغادر المبنى صوب سيارته التي يقودها هو شخصياً وبجواره سائقه، فلحقته على عجل عند باب سيارته على الشارع الرئيس وأخبرته أنني تلعثمت في المؤتمر الصحفي ولم أتمكن من توجيه أي سؤال له! فوقف - رحمه الله - وقال لي بتواضع: أسأل ما شئت. وكانت إجابة سموه وافية لي عبر أربعة أسئلة خاصة لـ(الجزيرة) دون البقية.
-- وفي العاصمة النمساوية فينا رافقت سموه بكل اعتزاز خلال افتتاح مركز الملك عبد الله العالمي لحوار الأديان وكان المرض المزعج والإرهاق قد بدا يتسلل بوضوح إلى محيا سموه وهو يقاوم على حساب صحته ويتحدث مع وسائل الإعلام الأجنبية بكل اقتدار وبشكل يومي.
في الصالة الرئيسة كان يصرح للوكالات الأجنبية بلغات حية عدة سواء الإنجليزية أو الفرنسية أو الإسبانية والألمانية، وعلى مشارف المبنى يلتقي القنوات الفضائية العالمية.
وأتذكره أن وقفته مع زميل لي في (عكاظ) خلال الحفل لنأخذ تصريحات مماثلة فقال لنا رحمه الله: أنتم أبناؤنا ومعنا وهؤلاء ضيوف أجانب وعلينا الاهتمام بهم.
-- رحم الله سعود الفيصل عميد الدبلوماسية العالمية وواجهة المملكة المشرقة خارجياً.
-- رحم الله الأمير الذي يخجلك بتواضعه وحيائه ونبل أخلاقه.
-- رحم الله المدرسة الدبلوماسية السعودية التي كانت ممتعة لمن يستمع إليها..
-- قدم شبابه وجهده وصحته لهذا الوطن الجميل ورفع رايته الدبلوماسية باقتدار.
وعزاؤنا في رحيل الفيصل الوسيم أن ترك لنا بصمة وتاريخاً في فن التعامل الراقي واحترام الآخرين.