د. حمزة السالم
في عبدالله بن سبأ، اختزل المسلمون فتنة نهاية أمير المؤمنين عثمان شهيداً في المحراب، واستشهاد أمير المؤمنين علي؛ أبو الحسن والشهيد الحسين؛ سيدا شباب أهل الجنة، وفتنة مقتل حواري رسول الله الزبير بن العوام وطلحة بن عبيدالله، طلحة الفياض، طلحة الخير والجود في الجمل، ومقتل عمار بن ياسر الطيب المطيب في صفين، واستباحة المدينة بما فيها من أبناء الصحابة وذرياتهم.
- على نكرة مجهول أسموه بن سبأ، حمل المسلمون وزر حروب عظيمة وفتن كقطع الليل المظلم، قاتل فيها كبار الصحابة وعقلاؤهم بعضهم بعضا بجيوش مسلمة سفك بعضهم دماء بعض، وتربة رسول الله عليه الصلاة والسلام لم تجف بعد، وقد أُخرجت زوجه الطاهرة المطهرة أمنا عائشة في الجيوش فخرج بخروجها خلق كثير. وباستحلال كبار الصحابة لدماء بعضهم بعضا، استحلت الأمة من بعدهم دماء بعضهم بعضا بعد ذلك، فهي تضع السيف في رقاب بعضها منذ أن وضعوه ظلما في ذي النورين رضي الله عنهم أجمعين، ثم تجاهلوا الفتنة في قولبتها بقالب السبئية.
- وعبدالله بن سبأ، إن كان له وجود أصلا، أخسأ وأذل من أن يتلاعب بحملة الدين من كبار قادة الصحابة وعقلائهم. ولكنها عقلية الإنكار والتهرب من المسئولية والكسل والعجز عن التفكر والتأمل في الأدلة العظيمة والشواهد الجلية والاستنباط منها ما ينفع الأمة في أجيالها التي تتابعت تقتل بعضها بعضا. فلم يترك المسلمون من علم ولا فائدة ولا فقه من فتنة مقتل عثمان وعلي والحسين والزبير وطلحة ومقتلة الصحابة، إلا علم القتل ولا فائدة إلا الاستهانة بالدماء ولا فقه إلا فقه جواز اقتتال المسلمين.
ونحن اليوم لا نزال ندور في فلك السبئيات. فالقاعدة صناعة أمريكية لتُفجر برجي التجارة، حيث زودت إسرائيل أبناءنا بالخطط والتدريب وسهلت الاستخبارات الأمريكية اختراقهم الأجواء الأمريكية. وأما بريطانيا وفرنسا وهولندا وإيطاليا فهم من يخططون للتفجيرات الإرهابية هنا وهناك في أوروبا. وأما تفجيرات إندونيسيا والشرق الأقصى فهذا بدعم اليابان والفلبين والصين بإشراف أمريكي. وإسرائيل وإيران هما القيادتان العليا لجميع العمليات الانتحارية الإرهابية التي يقوم بها المضللون من أبناء الدعوة السلفية.
- وداعش صنيعة أمريكية إسرائيلية قادتها من يهود العرب الذين دربتهم إسرائيل فأحسنت تدريبهم، ثم تبنتهم إيران فهم اليوم يتلقون الأوامر منها وتزودهم بالسلاح والأهداف والخطط التي تدعمهم أمريكا وإسرائيل بصناعتها والحصول عليها.
ولنقل إن صناعة الإرهاب هي صناعة إيرانية، وإن هذه السبئيات عن داعش والقاعدة، حقيقة، ثم ماذا؟ فلو سلمنا بها جدلا فإنها لا تقدم حلا ولا تؤخر مصيبة لا هي ولا دعاوى وأعذار ظلم الأنظمة العربية وبطشها وفقر شعوبها.
- فأصل المشكلة يجب إدراكه إذا أردنا أن نحله. وإدراك أصل المشكلة هو إدراك هذه الأيديولوجية التي نظرت وقعدت لفكر الدواعش والقاعدة وأضرابهم فآمنوا بها فإذا هم وحوش في الأرض. وإدراك هذا الإلهام الذي فجر عن هذه الروح الإرهابية القتالية الدموية التي تحكم الدواعش وأضرابهم، وجعلهم يتنادون من أصقاع الأرض فإذا هم يخرجون زرافات ووحدانا من أوروبا وأفريقيا وآسيا، غنيهم وفقيرهم، سعيدهم وتعيسهم، لينضموا لجيش الإرهاب الداعشي، ليس بينهم رابط إلا رابط هذه الأيديولوجية ولا يدفعهم إلا دافع هذا الإلهام. هذه الأيديولوجية ليست أيديولوجية إيران ولا إسرائيل ولا أمريكا، وهذا الإلهام ليس إلهاما من روح الخميني ولا من روح ترتيلات مناحيم بيجن ولا صلبان النصارى ولا تنظيرات الملحدين. وهل نحن لا نعلم حقيقة في قرارة نفوسنا، أن هذه الأيديولوجية وهذا الإلهام هو نفسه الإلهام والأيديولوجية الذي أخرجت جيهمان والطالبان من قبل.
- من السبلة إلى جهيمان إلى إرهاب العائدين من أفغانستان إلى إرهاب القاعدة العالمي وغزوة نيويورك وواشنطن إلى الدواعش اليوم ونحن ندور في حلقة، نبدأ من حيث ننتهي بجدل بيزنطي لا يقدم حلا ولا يؤخر مصيبة.
- دعونا نتقدم خطوة واحدة فلنسلم بجميع السبئيات، ونسلم بجميع تبريرات الظلم السياسي، ونسلم بأن القتل والإرهاب وأدواته كلها إيرانية إسرائيلية أمريكية يهودية صليبية بوذية إلحادية، ثم ماذا؟ كيف استطاع هذا الخليط من المتآمرين علينا الوصول إلى هذه الفئة من الأمة الإسلامية التي تحمل أصول أيديولوجيتنا التي نشرناها في العالم الإسلامي، وكنا إلى وقت قريب نفتخر بالآلاف من الدعاة ومئات المكاتب والمساجد وعشرات المليارات التي أنفقت على تعليمهم ودعمهم ونشرهم في أنحاء المعمورة، فهم في المغرب العربي والشرق الأقصى وأوروبا وأمريكا.
- لِمَ نتبرأ من مجد صنعناه، ومن جهدٍ بذلناه فنكون كالتي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثا؟ ولِمَ نُحرف أو ننكر تاريخ عزٍ ومجد خطه الأجداد بدمائهم وسقوه بعقائدهم السلفية الموحدة؟ هي قصة توحيد بلادنا المجيدة، فلِمَ لا نستثمر تاريخنا ومجدنا وأموالنا التي بذلناها من قبل في نشر السلفية، في دفاع إيجابي هجومي الذي يتحمل المسئولية، لا في الدفاع السلبي الإنكاري الذي يتحمل اللوم. ما قام به أجدادنا وأباؤنا كان في زمنه هو الدين وهو المجد والعز، كما كان قتلَ رسول الله لرجال بني قريظة وشبابهم واسترقاقه لنسائهم وأطفالهم هو الدين والفخر والمجد في زمانه فجاء الفاروق بعده فمنعه، وسورة الأنفال تُتلى ليلا ونهارا. وما استعار الفاروق ولا أنكر ولا تبرأ من فعل الرسول عليه السلام في قريظة وغيرها، ولا مسح سورة الأنفال من القرآن، ولكن زمن الفاروق تغير عن زمن الرسول، والزمن المُلهم للدواعش تغير عن زمن اليوم.
- ليس حل مشكلة الدواعش بتغطيتها بالسبئيات وبتحميل الحكومات المسئوليات، كما غطينا من قبل مشكلة جهيمان وأفغانستان والقاعدة والطالبان. فهذا ليس علاجا، بل هو في الواقع استثمار في إخراج أجيال داعشية بعد أجيال، كل جيل يأتي بأسوأ وأفظع وأشرس من الجيل الذي قبله. فحتى لو أُهلكت داعش اليوم، فجذورها الفكرية وبقاياها ما هي إلا بذور لحصاد محصول الموسم القادم. وليس الحل في انفتاحية المجتمع السعودي، فما أغنت انفتاحية التوانسة عنهم شيئا. الحل هو في منهج أميري المؤمنين؛ الفاروق وعثمان، خليفتا رسول الله.
- جذور فكر الدواعش والطالبان والقاعدة وجيهمان من أصل جذور الفكر السلفي. وإلهامه مُستلهم من تاريخ انتصارات الفكر السلفي السياسية عبر التاريخ. والفكر السلفي فكر قوي غليظ الجذع متى نما على اتجاه واحد، فلا يعيده عن اتجاهه إلا فكر سلفي قوي مثله، وهو هنا فكر الفاروق وعثمان. هذا الفكر الذي تجاهلته الأمة عبر عصورها. ففكر الفاروق وعثمان يُرجع الأمر كله لولي الأمر ولرب الأسرة يضعه حيثما يراه مناسبا، كل حسب مجال مسئولياته.
- ضرب داعش لا يكون إلا بضرب جذور فكرها بفكرها، فلا تنبت لنا بعد ذلك ذرية مسخا أشد وحشية ودموية. فلنخاطب القوم بما يفهمونه، كما خاطب بن العاص ومعاوية -رضي الله عنهما- المتشددين من جيش علي -إن صحت الرواية- بلغتهم، فرفعوا القرآن على أسنة الرماح. والشاهد هو الطريقة لا الأثر، فهدف معاوية كان وقتيا، فقد كان يريد التخلص من موقعة خاسرة. وهدفنا نحن إرجاع الدين لأصله في جانبه السمح الرحيم، ولنقطع أصل جذور شجرة نبتت معوجة منذ عقود، في اتجاه زمن مضى، فهي تشتد عبر الزمن، كلما أثمرت شوكا قطعنا ثمرتها بدم وألم، فإذا هي تثمر بعد حين ثمرا أشد شوكية وأصعب قطعاً.