د. حمزة السالم
أول مبدأ مُتفق عليه بين البشرية حين اتخاذ أي قرار مستقبلي هو حساب احتماليات الخسارة والربح. وأنا أزعم بأنّ فتح سوق الأسهم السعودي للأجانب ما هو إلا إضافة مخاطرة جديدة للمخاطر المستقبلية التي تواجه بلادنا في حال انخفاض عوائد النفط أو في حال حدوث أي أزمة ما، دون مقابل إيجابي يساوي ثمن هذه المخاطرة.
- فعالمياً، وعلى الرغم من أن الأسهم لا تشكل أهمية تذكر في الاقتصاد، ولا في تمويل الشركات، إلا أن أسواق الأسهم في طفراتها وفي انهيارتها، لها آثار خطيرة سياسية واقتصادية واجتماعية. فالمُشرع يجب عليه أن لا يزُج بورقة سوق الأسهم في رهانات محتملة، إلا ولديه مبررات قوية.
- ولم أجد دولتين تتشابهان قط في المعطيات المتعلقة بتبرير فتح سوق أسهمها للأجانب من عدمه. فممّن فتح سوق أسهمه للأجانب، مصر. وهدفها كان واضحاً وهو جذب النقد الأجنبي. ومصر اقتصادها معروف ويسهل التنبؤ به، وله مستقبل مشرق إذا صلحت أوضاعهم السياسية، فاحتماليات المخاطرة فيها معدومة تقريباً، فالاحتمالية بين الصفر وما فوق، لا يكاد يكون فيها مدى سلبي. وبعض الدول على عكس ذلك، فمخاطرة التغير بين الصفر وما تحت وليس فيها مدى إيجابي يذكر. والصين أعظم من مصر في ذلك، كما أن الصين تسعى للإمبراطورية التجارية فلا بد لها من فتح أسواقها للأجنبي. وكوريا انتظرت عشرين عاماً بعد قيام سوق أسهما، حتى تفتح أسهمها للأجانب، وغرضها كذلك كان لتحقيق انفتاحيتها على التجارة العالمية وكذلك لجذب الاستثمار الأجنبي (لا الكاش الأجنبي).
- وبعض الدول التي تشابهنا في كثير من الأمور، هي لا تشبهنا في هذا الباب في الواقع. بل هي في فتح أسواق أسهمها للأجانب، أقرب لهونج كونج. فهونج كونج بلد يقودها مجلس من الأجانب تقريباً، حتى بنكها المركزي. فهذه دول لها معطيات خاصة، لا يصلح أن ننظر لهم ونقارن أنفسنا بهم. نعم « نحن غير». هذه الكلمة كلمة صدق في هذا الموقع بالذات.
-ما الذي سوف نكسبه من فتح سوق الأسهم للأجانب إلا ارتفاع أسعاره، وتكرار انهياراته بعكس ما تأمله الهيئة. وكما بيّنت في المقال السابق، فكل مبررات الهيئة من ثبات السوق والرقي بالإدارة والشفافية، هي خليط من تنظير حالم أو خلط بمفاهيم أخرى أو إسقاط على دول مجاورة أو بعيدة لا تشابهنا بحال، إلا إن كانت الهيئة تقصد - ولا أعتقد - أنهم سيسعون لتسليم قيادة السوق للأجانب رسمياً كهونج كونج والدول المشابهة لها. وتسليم القيادة الرسمي غير التسليم للمستشار الأجنبي، فبينهما بون واسع، أهمه أنّ الأجنبي في تلك الدول يشكل شريحة كبيرة من ملكية الاقتصاد، أو إدارته رسمياً.
- ودعاوى مُلاك مؤشر مورجان ستالي للدول الناشئة بأن انضمام الدول لمؤشرهم يدفع بالمؤسسات العالمية الضخمة للاستثمار الاستراتيجي في تلك الدول، وأن هذا يؤدي لحقيق الاستقرار وخروج صغار المضاربين، ليست بدعاوى توقعية مستقبلية، بل هي دعاوى نتائجية بتعميم بعض نتائج الصين وكوريا ونحوهما. والتي تحققت بسبب المعطيات الاقتصادية لتلك الدول، لا العكس.
- يا أحبتي، إن أحلام هيئة سوق المال ، ومن اتبعها من الاقتصاديين والإعلاميين، فيما ادعته من مبررات لفتح سوق الأسهم للأجانب هو عكس لانسيابية السوق الطبيعية، فهو كوضع المركبة أمام الحصان ولا العكس. فمؤشر مورجن أو غيره من المؤشرات، ما هو إلا لقياس الحاصل لا لتغيير الواقع والمستقبل. ولا أظن أنهم يقصدون في حصول الشفافية وتحسن الإدارة مثل ما حدث ويحدث من تحكم الأجانب في هنقاريا وبيرو وكولومبيا.
- نعم الانفتاح للعالمية أمر جميل وفخر وهدف يجب علينا السعي إليه ولكن على خيول الواقع لا أحصنة الأحلام، لكي لا نصحو على مواجهة كلفة هذا الحلم. ثم هب أن سوق أسهمنا دخل مع مجموعة أسواق الدول الناشئة المُتضمنها مؤشر مورجان ستالي للدول الناشئة! ثم ماذا؟ لكي نصبح مع مصر وهنقاريا وبيرو وكولومبيا واليونان. وثم إذا ما مرت بالبلاد أي أزمة مالية أو سياسية فعلوا بنا كما فعلوا باليونان. فقد استخفوا باليونان عام 2001 فرفعوهم مع مجموعة الدول المتقدمة، كأمريكا واليابان. ولكن سرعان ما قذفوا باليونان عام 2013 للمجموعة الأدنى، وهي مجموعة الدول الناشئة، ولتي نسعى للوصول إليها بفتح سوقنا للأجانب. فلم نسلط على أنفسنا عامل ضغط نحن في غنى عنه، ولا نفع حقيقي منه.
- ولم تنضبط أسواق اليونان بسبب انفتاحية أسواقها كما تبرر الهيئة، بل كانت سكيناً مسمومة ضمن السكاكين الطاعنة فيها. وما نفع اليونان ولم ينفعها ترقية مؤشر مورجن ستالي لها حين رفعها للدول المتطورة، فلم تر الشر إلا من بعده. فقد انهار سوقها (ASE) بعدها من 6000 عام 2000 إلى أقل من 2000 عام 2004 ثم عاد فارتفع إلى قرابة 6000 عام 2008 ثم عاد وانهار فقارب الصفر (400) في 2013 تقريباً، فأين ما يزعمه ملاك مؤشر مورجن، وأين شواهد دعاوى هيئة سوق المال.
والحق أنه لا اليونان ولا الصين ولا دبي ولا كوريا ولا مصر ولا كولومبيا وبيرو تصلح للاحتجاج بها، هنا في انفتاحية سوق الأسهم على الأجانب، فلكل دولة أوضاعها الخاصة.
- إن المزاجية في اختيار الدول المقارنة والتجارب المشابهة، هي ديدن طريقة التفكير عندنا في كثير من المشاريع الخاصة والعامة، والمستشار الأجنبي يعطي الزبون ما يهواه. والمستشار الأجنبي الذي ترسله شركته لنا، ليس في الواقع ببعيد عن طريقتنا، فهم لا يرسلون إلا متدربيهم وحثالتهم ممن لا يقدر على الابتكار. فخير من يرسلون لا يزيد عن مُسقط لاحتياجاتنا على تجارب سابقة ثم يقوم بنسخها.
- عندما علمت - الأسبوع الماضي - بفتح سوق الأسهم للأجانب، بحثت هنا وهناك باحثاً عن تبرير مقنع، فلم أجد إلا تكرار بعضه من بعض، مأخوذ كله مباشرة أو غير مباشرة من مبررات الهيئة ومن دعاوى الأجانب وصحافتهم وإعلامهم. ونحن أعلم وأعرف من الأجنبي بحالنا. فالأجنبي يدعونا للديمقراطية وللانتخابات ويدعونا لفك ارتباط الريال بالدولار ويدعونا لفرض الضرائب، وكذلك فعل الأجانب مع الصين وكوريا من قبل، فلم يلتفتوا لهم، فبنوا امبراطورياتهم بطريقتهم. فمتى نفهم أنّ الأجنبي لا يبذل الجهد ليفكر لنا ولا يقدر أن يفعل - إن لم يوجه منا ويُمتحن -، فإنما هو ينقل لنا ما عنده، فلا فائدة من الأجنبي وعلومه ما لم نفكر نحن لأنفسنا، ونميز صحيح كلامه من خرطه وخريطه.
- سوق الأسهم ليس بمؤشر فقط، يمكن أن يُتجاوز عن الترائي به والتشوف العالمي، هو مؤشر خافض رافع، يطعن في الأزمات ويُخدر في الطفرات، فالقرار فيه قرار استراتيجي من الدرجة الأولى، والله الحافظ من قبل ومن بعد.