د. حمزة السالم
في اعتقادي أن فتح سوق الأسهم السعودية للأجانب، قرارٌ جاء مبكراً جداً، واقتصر في حساباته على نظرة محدودة وقياسات غير منضبطة للخروج بتنظيرات محضة، خلاصتها الأهداف المعلنة عنها في موقع هيئة السوق المالية.
والانفتاح للعالمية أمر مهم وحلم جميل، والحمائية والانغلاقية لا خير فيها في كل شيء تقريبا، إلا في فتح الباب للكاش الأجنبي فلا خير فيه مطلقا. ففتح الباب للكاش الأجنبي ليس انفتاحا على العالمية، وليس حمائية، بل فتح الباب للاستغلال المحض للثروات الوطنية دون تقديم أي منفعة تذكر للاقتصاد. وفتح السوق السعودية للأجانب هو فتح الباب للكاش الأجنبي الاستغلالي، وليس للاستثمار الأجنبي الإيجابي.
فهناك فرق كبير بين الاستثمار الأجنبي والكاش الأجنبي. فالأول، وهو الاستثمار الأجنبي، يأتي في صورتين أساسيتين. الصورة الأولى ما يسمى بالاستثمار الأجنبي المباشر وهو الذي يأتي في صورة مصانع ومعدات وخبرات وعلوم، تبحث عن مجال لاستثمارها في بلاد أجنبية تتمتع بتنافسية سوقية أو مواردية، كالصين. وقد يأتي الاستثمار الأجنبي أيضا في صورة إدارية استثمارية. كشراء الشركات المتعثرة إداريا ذات المستقبل المأمول، أو الشركات الناشئة ذات الأفكار الإبداعية التي تبشر بمستقبل. وهي نوع من أنواع ما يسمى بالأسهم الخاصة والمال الجريء. فشراء الأجانب لهذه الشركات، يمكنهم من التحكم في مجالس إدارتها فيقومون بإدارتها وإنقاذها أو تطويرها. وهذا الاستثمار الأجنبي ليس هو الذي ستفعله أموال الأجانب الكاش في سوق الأسهم السعودية. وغالب ما صرحت به هيئة سوق المال من مزايا دخول الأجنبي، تنظير عام ليس له أرضية من الواقع تدعمه في الحاضر ولا في المستقبل، بعضه نابع من خلط في مفهوم الاستثمار الأجنبي في الأسهم الخاصة مع الاستثمار الأجنبي في سوق الأسهم.
- إن فتح سوق الأسهم السعودية للمال الأجنبي كفتح سوق الأراضي للكاش الأجنبي. ولا أعتقد أن عاقلا يؤيد فتح سوق الأراضي السعودية للكاش الأجنبي، رغم أن هناك بلادا كثيرة فعلته واستفادت منه اقتصاديا، لكنها لا تقاس علينا. فالكاش لشراء الأراضي لا يبني الأراضي بل يغلي أثمانها، ويدفع للمضاربة فيها ويحفز الحيل والأساليب المتلوية للتكسب من محدوديتها. وكذلك هو عمل الكاش الأجنبي في سوق الأسهم السعودية.
فالكاش الأجنبي في سوق الأسهم لن يتدخل في إدارة الشركات غالبا، إنما ذلك في الأسهم الخاصة والمال الجريء. فبالله عليكم، هل سيقوم بنك أوف أمريكا بالمساهمة في إدارة شركة الراجحي مثلا، إذا كان مستثمرا فيها. حتى ولو شارك فهل سيفهم أو يفلح؟ وكيف يفلح وأهل مكة أدرى بشعابها.
وبالله عليكم. لو وجد بنك أوف أمريكا فسادا ما أو خطأ في السوق السعودية، فهل سيتدخل لإصلاحه أم سيحاول ركوبه للاستفادة من الوضع القائم؟ ولو افترضنا أن ساذجا أجنبيا حاول إصلاح فساد أو خلل في سوق الأسهم، فماذا سيكون مآله إلا جعله عبرة لغيره. فتنقلب عليه الأمور، ويخسر أصدقاءه السعوديين الذين هم أعلم بخبايا السوق، وينبذه الجميع وتضيع عليه مناسبات «توسعة الخاطر» وما يتبعها من تقديم فرص ومعلومات.
- ومما تأمله هيئة سوق المال، هو أن الكاش الأجنبي سيساهم في الحد من التذبذب الكبير في الأسعار. وأقول: ولو افترضنا براءة الأجنبي ومثاليته، فهو يحتاج لأدوات تعينه على ذلك كالبيع على المكشوف وبعض المشتقات، كما يحتاج لوجود صانع سوق. فالحقيقية أن سوق الأسهم عندنا كسوق الخضراوات ليس فيه أي أدوات مالية. ولو افترضنا أننا أدخلنا هذه الأدوات من أجل خاطر الأجنبي، فهو أعلم بها من السوق، فستكون له ميزة ليتكسب بها على حساب السوق.
- إن المستثمر الأجنبي بالكاش في سوق الأسهم السعودية لم يأت لإصلاح السوق السعودية ولا يهمه ذلك. إنما جاء الأجنبي بالكاش ليتبع الكاش ويتصيده في مسالك وطرق ومصائد الأسهم السعودية المُتبعة والمتعارف عليها. فإن كانت طرق السوق ومسالكه راقية، ارتقى لها الكاش الأجنبي ليقطف منها، وإن كانت طرق السوق ومسالكه ملتوية، تلوى الكاش الأجنبي معها لينال نصيبه منها.
وهناك من يفرق بين المدى القصير والطويل. فمن الأفاضل من يقصر رؤيتي هذه على ثلاث سنوات، ثم يأمل أن تتأسس المؤسساتية السوقية، ويستشهد بالصين. وأنا أعتقد أن الصين شاهد ليس في محله، وأنه لا يوجد لدينا مدى قصير وطويل بل هو مدى واحد، وطرح هذا سيكون بعد غد في مقال السبت، إلا أن غرض المسكوت عنه اليوم هو أننا، والله أعلم، قد جلبنا لأنفسنا مأساة سوق أسهم جديدة، ولكن بلباس أجنبي هذه المرة، لنفرح به زمنا ثم نقعد نشتكي منه أزمانا.