د. جاسر الحربش
ما أفهمه هو أنّ اختيار الأعضاء في مجلس الشورى، وإن كان ما زال بالتعيين، يراد به الاستئناس بأفضل عقول البلد لتقديم المشورة للدولة، وبافتراض أنّ هذا النشاط الذهني الراقي تستفيد منه السلطة التشريعية في التعامل مع القوانين والأحكام بالحذف والتعديل والإضافة، حسب مستجدات الحياة وشروط التعايش المتطورة بتسارع عالمي شديد.
أعرف أنّ انطباعي الشخصي عن مجلس الشورى لا أهمية له، ولكنه انطباع غير جيد. عندما أقول في العنوان إنّ هذا المجلس بوضعه الحالي لا يمثلني، فإنني أعبّر عن تقييمي الشخصي لأدائه فيما يتعلق بالقدرات وسعة الأفق والعمق التي يتعامل بها أعضاء المجلس مع المسائل المقدمة لهم للدراسة والتمحيص أولاً، ثم للنقاش المستوعب والمستفيض ثانياً، ثم للخروج بالتوصيات النهائية.
كانت القضية المطروحة للنقاش والتصويت في جلسة مجلس الشورى الأخيرة من أهم القضايا الوطنية، إن لم تكن أهمها على الإطلاق. هل قدم المجلس، برفض الأغلبية لمشروع نظام حماية الوحدة الوطنية والمحافظة عليها، هل قدم المشورة التي تستحق الثناء والتقدير للمجهود الفكري والوطني المطلوب منه، كمسؤولية وطنية تاريخية تبقى للأجيال القادمة ؟. حسب تبريرات التوصية بالرفض، يستطيع الرأي المحايد أن يستنتج انتفاء الحاجة بالأساس لمجلس الشورى بشهادة الأعضاء أنفسهم، لأنّ النظام الأساسي للحكم ومرجعيتنا الدينية بما تحويه من تشريعات وأحكام تتكفل حسب مداخلاتهم بكل شيء، بحيث لا توجد مبررات لإضافة أنظمة جديدة، وبالذات فيما يخص تأطير نظام أحكام وعقوبات واضح وصريح ومتوائم مع الحقائق على الأرض لحماية الوحدة الوطنية والحفاظ عليها.
قرأت التغطية المستفيضة في جريدة الجزيرة للمداخلات الإثنتي عشرة التي قدمت في المجلس حول تلك المسألة، ولا أتورع عن الزعم بأنها كانت بالمجمل تعابير إنشائية مشخصنة، قال فيها كل عضو بقناعاته المسبقة التي حضر بها إلى المجلس قبل النقاش، وأنّ الاستماع والتعامل الدقيق مع مداخلات الزملاء الآخرين كان غائبا ً أو لم يكن له تأثير على نتيجة التصويت.
ست سنوات استغرقتها دراسة الحاجة إلى نظام لحماية الوحدة الوطنية والمحافظة عليها، وعند طرحها للنقاش قدمت له لجنة الشؤون الإسلامية والقضائية بما يلي :
توصي اللجنة بملاءمة دراسة عدد من المشروعات المقترحة لنظام حماية الوحدة الوطنية والمحافظة عليها. الموضوع يجب أن يعطى حقه من الدراسة والمزيد من الاستقصاء. الوحدة الوطنية ركيزة أساسية لكل مجتمع ومطلب مهم لقياس الانسجام بين المواطنين وسكينتهم. ترى اللجنة أنّ الاختلاف والتنوع الفكري وتعدُّد المذاهب والأطياف واختلاف الأفكار والطروحات حقيقة موجودة، تحتاج إلى استراتيجية للتعامل معها وتوجيهها الوجهة السليمة التي تخدم أهداف البلاد وثوابتها وقيمها الشرعية، بعيدا ً عن التنافر والخلاف ووحشة القلوب وإساءة الظن بالآخر.
انتهى التقديم
هذا ما قالته لجنة الشؤون الإسلامية والقضائية وأوصت به في المجلس قبل النقاش، وعليه لابد من الاستنتاج أنّ هذه اللجنة فقط هي التي أوفت الدراسة المقدمة بعد ست سنوات حقها من التمحيص والتفكير. أستنتج أيضا ً أنّ هذه اللجنة تعاملت باستيعاب مع ما يحدث على أرض الواقع من قضايا خلافية. تكررت الأحداث الإرهابية عندنا في أكثر من مكان وليس بالمنطقة الشرقية فقط، فهناك محاولات اختراق الحدود وقتل الجنود القائمين على حراستها، وهناك خلية تمير والخلايا التي تم إجهاضها في القصيم والزلفي، وهناك تسلل النساء والأطفال والمراهقين للجهاد في اليمن والعراق وسوريا، بالإضافة إلى أحداث القتل على الهوية المذهبية في الدالوة والقديح والدمام، وكل ذلك له مرتكزات وأسباب دعوية ودعائية وتمويلية تعمل ضد مصلحة الوحدة الوطنية.
بدا وكأنّ مداخلات أعضاء المجلس لم تستوعب توصية لجنة الشؤون الإسلامية والقضائية. الأقرب إلى الاستنتاج هو أنّ كل عضو تداخل بما كان قد حضر به مسبقاً إلى المجلس وحفظه عن ظهر قلب كقناعات خاصة تعبر عن رأي وتوصيات الوسط الاجتماعي الذي جاء منه.
أعتقد أنّ تركيبة أو تشكيل مجلس الشورى القائمة على اختيار الأعضاء، بهدف المحافظة أولا ً على الحد الممكن من التوازن الاجتماعي المتوفر، لا تكفي ولا تفي بهدف تحقيق الاختراق الفكري الريادي في تقديم المشورة النوعية الموائمة للواقع، كما هو مطلوب عند الآخرين تحت مسمّى مخرجات مخازن الأفكار.
من المعلوم بالضرورة عند كل عضو في مجلس الشورى أن النظام الأساسي للحكم والسلطة التشريعية تشكلان أصلا ً واحدا ً ملتحما ً لشجرة اسمها الوحدة الوطنية، ولكن السلطات التنفيذية العاملة في الميدان تتكون من فروع متعددة تنمو على نفس الشجرة. هذه الفروع هي الأنظمة والقوانين والأحكام الشرعية المستنبطة منها ولأجلها، لتأطير التعامل مع المستجدات والأحداث على أرض الواقع. كان المتوجب على الأعضاء في المجلس النظر في نظام حماية الوحدة الوطنية والمحافظة عليها كامتداد ضروري لصلاحيات السلطات التنفيذية، التي تستمد صلاحياتها بالطبع من النظام الأساسي للحكم ومن السلطة التشريعية، ولكن بمعنى التأصيل وليس بمعنى التفريع والتطبيق الميداني على مستجدات الحياة اليومية؟