د. جاسر الحربش
عندما يكون العسكري من ذوي الرتب الصغيرة ويعول أسرة كبيرة بمسؤوليات متفرعة يضطر، مثله مثل الموظف المدني، إلى البحث عن عمل إضافي في أوقات الفراغ والإجازات الرسمية لتغطية احتياجات الحياة المرهقة، وقد يضطر أحياناً للاقتراض من البنوك بشروط اللوائح البنكية السعودية.
هذا الوضع يمكن التعامل معه إلى حد ما في أوقات السلم، ولكن في أزمنة الحروب قد يكون العسكري على الجبهة، وبذلك ينقطع الدخل الإضافي بينما تبقى متطلبات الأسرة كما هي. لذلك أقول من هنا، إن الرأس الذي يعتمر الخوذة الحديدية على الجبهة لا يستوي في الشرف والتقدير مع رأس تحت المكيف المركزي في البنك والمصرف والمؤسسة التجارية.
عندنا مئات وربما آلاف من ذوي الثراء الفاحش، ملاّك بنوك ومصارف وشركاء في بنوك ومصارف، وأصحاب شركات ووكالات عالمية، وإقطاعيون كبار، وباختصار لدينا هوامير ثروات يملك أكثرهم من الاستثمارات في الخارج أضعاف ما يستثمره في الداخل. أتمنى أن تصل الصرخة التالية إلى آذان هؤلاء الهوامير بمكبرات الصوت، لعلهم يفتحون قلوبهم وعقولهم وجيوبهم، فيقدمون شيئاً مجزياً للمدافعين عنهم وعن أموالهم وعن أسرهم والحياة التي يسرحون ويمرحون في جنباتها في العرض والطول.
لنا إخوة وأبناء على خطوط النار، يحملون على رؤوسهم الخوذات وعلى صدورهم الدروع الحديدية، مرابطين تحت درجات حرارة لا تتحملها الطيور في السماء، ينضح العرق منهم ولا يمسحونه لأن اليد على السلاح والعين ترصد العدو والأقدام متشبثة بتراب الوطن. هذا ما أريد أن أصرخ به في أصداغ مالك اليخت والطائرة الخاصة والرولز رويس وكل هوامير الأموال السعوديين في الداخل والخارج. باختصار أريد التنبيه لاحتياجات أسر وأطفال من غاب عنهم عائلوهم للمرابطة على خطوط القتال.
قبل ليلتين تبادلت مع صديق رسالة تواصل اجتماعي يتحدث فيها أحد إخوتنا وأبنائنا العسكريين المرابطين على الجبهة، مبدياً قلقه على أطفاله الصغار من معاناة الجوع وسوء التغذية في غيابه، لأنهم أصبحوا لا يتناولون سوى وجبتين في اليوم ومن الأندومي فقط.
فهمت من الرسالة أن موجهها عليه دَّين لأحد البنوك المحلية، وأن البنك يستقطع من راتبه أقساطاً شهريةً، بحيث لا يبقى من الراتب ما يكفي لتغطية احتياجات الأسرة، وكان هذا العسكري قبل الحرب يستطيع تغطية الفرق بالعمل الإضافي خارج أوقات العمل الرسمي مثله مثل الملايين من المواطنين السعوديين الذين تضغط عليهم اشتراطات الحياة الحديثة المعروفة.
الآن، أخونا وابننا صاحب الرسالة يتواجد على الجبهة مع المرابطين، ولذلك لم يعد متوفراً لإعالة أسرته سوى القسط المتبقي من مرتبه بعد أن يستوفي البنك المحلي قسطه الشهري من الدَّين، بل وحتى إن البنك شمل المكرمة الملكية الممنوحة للعسكريين بالأقساط كذلك.
مهم جداً في الرسالة المعبرة أن ابن هذا الوطن المرابط على الجبهة يتوجه بشكواه إلى الله فقط وليس إلى أحد من خلقه مؤكداً على استعداده واستعداد كافة زملائه لإطعام أطفالهم تراب الأرض في سبيل الدفاع عن تراب هذا الوطن.
صديقي الذي تبادلت معه هذه الرسالة حثّني على الكتابة في الموضوع لإطلاع كافة السلطات وكل المواطنين على تقصير الأثرياء السعوديين وتقاعسهم عن تقديم المساهمة المتوجبة والكافية في واجبات الدفاع عن الجميع، بما يشمل بالذات أولئك الهوامير النائمين في العسل.
لا يستوي رأسٌ يحمل الخوذة في حمأة القيظ التي تشوي الطيور مع رأس ينام تحت المكيف المركزي على مخدة الريش.
لا نامت عيون الهوامير ولا شبعت بطونهم، إن لم يؤدوا المطلوب منهم حتى آخر ريال وهللة.