سمر المقرن
أتأمل كثيرًا في حال الدواعش هذه الأيام، ورؤيتهم بامتلاك الحقيقة المطلقة، ويقينهم بأن الجنّة أعدت لهم. تذكرت ذلك الموقف الشهير بين عمر بن الخطاب وحذيفة بن اليمان -رضي الله عنهما- عندما سأل الأول الثاني إن كان اسمه من بين أسماء المنافقين التي أخبر بها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حذيفة بن اليمان. بلا شك إنه من المستحيل أن يكون اسم الفاروق من بين الأسماء الاثني عشر التي ذكرها رسول الله، مع ذلك هو لا يملك شعور اليقين رغم قربه من رسول الله ونصرته له وللإسلام، ولا أحد في ذلك الزمن ولا هذا الزمن يُمكن أن يشكك في صدق الفاروق إلا مريض أو جاهل. رغم هذا كله لم يملك الفاروق اليقين كما لم يمتلكه كثير من صحابة رسول الله، وهذا ما يجعلهم يمنحونه عليه السلام أكثر ويؤدون الواجب في سبيل الإسلام أكثر وأكثر.
أنا هنا لا أقارن بين صحابة رسول الله -أكرمهم الله- والدواعش، إنما أتفكر في شعور اليقين وامتلاك الحقيقة الذي بنى عليه هؤلاء رؤاهم وأفكارهم، وهذا الشعور بحد ذاته ورطة يقع فيها بعض البشر ولا يفوق إلا بعد أن يفوت الأوان. كلي ثقة لو أن ذاك الإرهابي الذي فجر نفسه بغية قتل آمنين، أنه لو لم يمت وعاش عشر سنوات مقبلة فإنه سيتذكر أفكاره ويضحك عليها، هذا يحدث كثيرًا مع صغار السن بعد أن ينساقوا إلى الجماعات التكفيرية والإرهابية، ولعل ما رأينا وسمعنا وقرأنا من -بعض- المتحولين عن تجاربهم هي أكبر دليل وبرهان على ما أقوله هنا.
صغار السن ينساقون دون دراية، لذا إن عاشوا فسيعودون إلى الحق لا محالة، بينما الكبار ممن رأينا ما تم بثه من مقابلات معهم -وغيرهم ممن لم تعلن قصصهم- هم الأصعب في العودة إلى طريق الحق، لأنهم يبنون يقينهم عبر أفكار عوجاء ودخولهم إلى هذه العوالم يعتبر بمثابة (وظيفة) يقوم من خلالها بالتجنيد والتخطيط للأعمال الإرهابية الإجرامية!
من المؤسف في الوضع الحالي أنه عندما يأتي الحديث عن الإسلام فيأخذ جانب من تسموّا به من القاعدة وداعش والإخوان المسلمين وغيرهم من الجماعات التي تنسب نفسها له وهي بعيدة كل البعد عن أصوله وتعاليمه وأركانه وحتى فرعياته، بل وهذه الجماعات لا تحمل من العلم الديني ولا من أصول الأخلاق ما يمت إلى أي دين، ولعلي هنا أخص جماعة داعش وهي موضة هذه الأيام وسرعان ما ستنتهي بعد أن تفرغ من مهامها، إلا أن السؤال الأهم أنه هل بعد أن تنتهي داعش سينتهي فكرها؟ أنا شخصيًا لا أتوقع أن ينتهي الفكر بهذه السرعة، ولا يمكن أن يتقلص بلا برامج وطنية تضع لها أهدافا يتم تحقيقها في مدد زمنية محددة، شريطة أن نعمل جميعًا على تخليص الفكر المجتمعي من مسببات اختراق الفكر الداعشي!
إن وهم امتلاك الحقيقة المطلقة، هو حالة مرضية أصيب بها الدواعش ومن هم على شاكلتهم، والضحية أولاً وأخيرًا هذا المجتمع ومستقبله.