محمد أبا الخيل
مع تنامي حركة الانتقال بين البلدان وتكاثر أعداد السكان في معظم بلدان العالم، لم تعد أي بلد محصنة من انتشار الأوبئة المميتة. فالصين عصفت بها (حمى الطيور) قبل 8 سنوات، وقبل ذلك انتشر (جنون البقر) في بريطانيا و نعاصر هذه الأيام الصراع مع (حمى الكورونا) في بلادنا و مرض (الأيبولا) في غرب القارة الأفريقية، وهذه الأوبئة الفيروسية لا تموت ولكنها تنحسر وتصبح تحت السيطرة، وما أن يتوافر لها بيئة من الإهمال في الضوابط الصحية تظهر من جديد في صورة عدوى وبائية (Outbreak)، فإن لم يتم التعامل مع ذلك بسرعة وفاعلية يتحول الأمر إلى وباء (Epidemic) إذا كانت العدوى محصورة في مجموعة اجتماعية محددة كعائلة أو زملاء عمل أو فئة تشترك في بيئة مكانية فإن تعدى الأمر الى إصابات في مجموعات اجتماعية متعددة لا رابط بينها أصبح الأمر جائحة (Pandemic)، وحيث إننا شعب نشط في حركة السفر داخل البلاد و خارجها و يفد لبلادنا ملايين البشر كل عام للعمل والتجارة والحج والعمرة، فإن تعرض بلادنا لأي وباء أمر غير مستبعد مهما وضعنا من الضوابط و الإجراءات الاحترازية. ولكن جاهزية نظامنا الصحي للتعامل مع أي عدوى مهما كانت محدودة بفاعلية و احترافية هو الأمر الذي يجب على وزارة الصحة أن توليه أهمية قصوى.
الواقع الحالي لجاهزية النظام الصحي للتعامل مع العدوى الوبائية غير مطمئن، فلا زالت حمى (الكورونا) خارج السيطرة، وكذلك حمى (الضنك) وهناك معلومات عن تزايد في إصابات (السل الرئوي)، ومخاطر تكمن في انتقال أمراض أخرى من بلدان مجاورة، هذا بالإضافة لانتشار مرض (التهاب الكبد الوبائي) بصورة شائعة، ووجه القصور في النظام الصحي يكمن في ثلاثة جوانب رئيسة: أولها ضعف تطبيق معايير احترافية في الوقاية من انتشار العدوى الوبائية في معظم مستشفيات المملكة الخاصة والعامة، فليس هناك سوى عدد محدود من المستشفيات التي حصلت على شهادة (JCI) والتي تؤكد تطبيقها تلك المعايير، بل إن معظم المستشفيات فشلت في اختبارات الحصول على تلك الشهادة أكثر من مرة وبعض من المستشفيات التي حصلت عليها مهددة بفقدان تلك الشهادة نتيجة ضعف الالتزام بالمعايير. ثانياَ: ضعف التقرير الإحصائي لحالات العدوى الوبائية التي ترد للمستشفيات، بل إن كثيراً من المستشفيات لا تبلغ عن العدوى إذا فاقت أكثر من (5) حالات حيث يستوجب ذلك عملية تعقيم (scraping) مكلفة حسب معايير وزارة الصحة، وكثير من المستشفيات الخاصة على وجه الخصوص تقلل من تقرير الإصابات لتفادي السمعة السلبية وخشية فقدان المراجعين. و الأمر الثالث: هو إحجام كثير من المصابين بالعدوى، وخصوصاَ من العمال الوافدين خوفاً من التسفير الاحترازي والذي يطبق في حق المصابين في بعض الأوبئة، لذا يلجأون لوسائل بدائية في المعالجة وربما ينشرون المرض بين مخالطيهم، هذه العوامل الثلاثة تمثل تحديات تواجه وزارة الصحة ولابد من معالجتها بصورة منهجية وفاعلة.
في البلدان المتقدمة تشكل هيئة مستقلة لتفادي الأوبئة والسيطرة عليها، ومن أشهر تلك الهيئات مركز السيطرة على الأوبئة الأمريكي والمعروف بـ( CDC)، وهذا المركز يقوم بوضع معايير صارمة لتقرير العدوى الوبائية و يضع إجراءات التبليغ و يقوم بالتفتيش لدى المستشفيات والمراكز الصحية للتأكيد على تطبيق تلك المعايير، كما يقوم المركز بإدارة عدد من المختبرات الوبائية، ويشرف على تشخيص الأوبئة، كما يقوم المركز بجانب توعوي من خلال نشر معلومات وإحصاءات عن الحالة الصحية للبلاد وتنظيم برامج توعوية وتدريبية للعاملين في القطاع الصحي للتعامل مع الأوبئة وتجنب الإصابات العرضية، وهذا المركز مستقل عن أي جهة تنفيذية في القطاع الصحي، لذا يجدر بناء أن نؤسس مثل هذه المراكز في بلدنا حتى نصبح في وضع صحي أفضل وفي جاهزية أفضل فيما لو اجتاح بلادنا وباء خطير، حفظ الله بلادنا ورعاها بعنايته.