يبدأ ولي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان اليوم زيارة مهمة إلى روسيا، يصفها المراقبون بالتاريخية، ويقول عنها المهتمون بالعلاقات السعودية الروسية بأنها امتداد لزيارات سابقة متبادلة بين المسؤولين في الدولتين على مدى عقود مضت، فيما ينظر إليها المتابعون على أنها ذات خصوصية، نسبة للتطورات الخطيرة التي تشهدها دول المنطقة، والدور الروسي الحاضر والمؤثر بحسب قراءتهم للخلل الأمني الذي يعصف بعدد من الدول العربية وأسبابه.
***
روسيا دولة مهمة ومؤثرة، وصاحبة مواقف لها وزنها، ويحسب لها حسابها، حتى بعد أن تم تفكيك الاتحاد السوفيتي، فدورها كلاعب مهم في قضايا دول العالم، ما يعني أنه لا حل لأي مشكلة، أو معالجة لأي قضية، دون مشاركة ودعم من روسيا، وأن قوة الغرب بزعامة الولايات المتحدة الأمريكية لا تملك الحلول وحدها بغياب الدور الروسي المؤثر في إيجاد تفاهمات معه على آلية لمعالجة ما يستجد في دول العالم من تطورات خطيرة تهدد السلام العالمي.
***
وزيارة الأمير محمد بن سلمان على رأس وفد كبير، وإن جاء امتداداً لزيارات سعودية قام بها لروسيا ملوك وأمراء ووزراء، أبرزهم الملك فيصل حينما كان وزيراً للخارجية عام 1932م، والملك عبدالله حين كان ولياً للعهد عام 2003م، والأمير سلطان حين كان ولياً للعهد عام 2007م، كما كانت هناك زيارة مهمة وتاريخية للملك سلمان حين كان أميراً لمنطقة الرياض، وغيرهم، في مقابل زيارات للرؤساء وكبار المسؤولين الروس للمملكة وبينهم الرئيس الروسي بوتين عام 2007، ورئيس الحكومة الروسية فيكتور تيشر نومير دين عام 1994، ورئيس البرلمان الروسي عام 1992م، وغيرهم، إلا أن هذه الزيارة للأمير محمد تكتسب أهمية خاصة، كونها تأتي ومنطقتنا تشهد غلياناً يتمثل في حروب أهلية، وانقلابات غير شرعية، وخلل أمني لم تشهده دول المنطقة من قبل.
***
فروسيا جزء من الحل، شأنها شأن الدول الكبرى، وعلاقة المملكة بها تجعلها دائماً على ثقة بأنها سوف تصغي للصوت السعودي الذي يعرف الروس أنه صوت مؤثر وحكيم وعادل، وأن المملكة في حواراتها مع الدول الكبرى وبينها روسيا لا تنشد أكثر من أن تتمتع دول وشعوب منطقتنا بالاستقرار والأمن اللذين هما حق ومطمع للجميع، وأنها ممثلة بولي ولي العهد تطرق الآن الباب الروسي كما طرقت أبواب الدول الأخرى وهي على يقين بأن روسيا ستكون جزءاً من الحل لا جزءاً من المشكلة.
***
فهناك علاقات تاريخية بين الدولتين، فروسيا أول دولة غير عربية تعترف بالمملكة، والمملكة أول دولة عربية تقيم علاقات دبلوماسية مع روسيا، وتم ذلك قبل تفكيك الاتحاد السوفيتي، وإن شابها على مدى نصف قرن وتحديداً منذ العام 1938م قطع العلاقات قبل استئنافها عام 1990م، غير أن هذه العلاقة عادت من جديد لتجد أمامها فرصاً عديدة للتعاون، وهي متاحة في المجالات الاقتصادية والتجارية والتعليمية والسياسية وغيرها، كما أنها مؤهلة لبناء تحالفات ومشاركات في كل ما ينمي العلاقات الثنائية، ويضعها في المسار الصحيح، بدعمٍ من الروس للرؤية السعودية التي تقوم على احترام الأنظمة الشرعية، والمساهمة في أي جهد يكرس الاستقرار والأمن في المنطقة، والتعاون على بناء اقتصاد عالمي قوي لا يتعرض للهزات، ولا يعرض شعوب العالم إلى ظروف اقتصادية صعبة.
***
إن زيارة الأمير محمد بن سلمان لروسيا، التي وإن لم يعلن عن برنامج مباحثاته مع القادة الروس، إلا أن المؤكد أن حقيبة الأمير تحمل الكثير من الملفات المهمة، كما يحمل سموه توجيهات من خادم الحرمين الشريفين بما يجب بحثه في موسكو مع المسؤولين الروس، وضمنها فتح آفاق جديدة للتعاون المشترك بين الدولتين في مختلف المجالات والميادين، وهو ما يعني (ربما) توقيع عدد من الاتفاقيات التي تخص القطاعين الحكومي والأهلي بين البلدين، فضلاً عن التفاهم على حلول للاضطرابات التي تمر بها بعض دول المنطقة، حيث ترى المملكة أن حضور الدور الروسي مهم ومطلوب للتهدئة أولاً ومن ثم للتوصل إلى تفاهمات تنهي تماماً هذا الصراع المضر بالدول المعنية وبالسلم في العالم.