لم أترشح لرئاسة «الكتائب» اللبنانية لكي أفسح المجال للجيل الشاب ">
بيروت - حوار - منير الحافي:
الأحد الرابع عشر من حزيران 2015، انتُخب سامي أمين الجميل، رئيساً لحزب الكتائب اللبنانية.
الحزبُ القديم من قدم استقلال لبنان، كان يرأسه أمين الجميل، الرئيس السابق للجمهورية اللبنانية. لكنه قرَّر أن لا يترشح مجدداً تاركاً الإرث لابنه الشاب، فالظروف «تقتضي أن يتحمَّل جيل الحداثة مسؤولياته».
«الجزيرة» كانت أول وسيلة إعلام عربية، يتحدث إليها الجميل الأب، عن هذا التغيير.
ولم تغب التحركات السياسية لمحاولة انتخاب رئيس للجمهورية اللبنانية عن محاور اللقاء. أما في الموضوع العربي، فيرى الرئيس الجميل أن هناك «مصالح مجنونة ومغامرات غير محسوبة تدفع المنطقة إلى صراعات لا تخدم إلا إسرائيل ومن يتربص شراً بمصلحة العرب».
الرئيس الجميل يتحدث أيضاً عن «صديقه القديم» خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز الذي لم يقصِّر يوماً في دعم لبنان، هو وإخوانه من الملوك والأمراء. وتطرق إلى محطات في دعم المملكة لبنان، معوِّلاً اليوم على القيادة السعودية لمد اليد مجدداً للبنان.
«الجزيرة» زارت الجميل في بلدته بكفيا في المتن الشمالي، وعادت بهذا اللقاء.
** فخامة الرئيس، بداية، لافتٌ أنك لم تترشح لرئاسة حزب الكتائب. واليوم، نجلك سامي الجميل، صار رئيساً للحزب.
هذه خطوة تسجَّل لك أن تسلِّم الحزب القديم إلى جيل الشباب. فماذا تقول في هذه الخطوة؟
- إنها خطوة وجدانية، لأن على الإنسان أن يقوّم كل مرحلة من حياته. فكل مرحلة لها مستلزماتها، ولها ظروفها. أنا في المعترك السياسي تقريباً منذ سنة 1958. وعندما بدأت الأحداث في لبنان في العام 1958 أيام الحركة الناصرية، بدأ التحرك من هذا المنزل وأنا حينها رافقت الوالد في ذلك الوقت.
وأكملتُ مراحل الحروب في المنطقة كلها: حروب الستينات والعام 1973 والمرحلة الفلسطينية والمرحلة السورية والاجتياح الإسرائيلي للبنان، عشنا كل ذلك بالخطوات الأمامية.
لذلك، وصلت إلى مرحلة اعتبرت أنه من المفيد أن آخذ فترة تقويم للحياة التي عشتها إن كانت الشخصية أو الحياة السياسية أو الفكرية.
ومن جهة أخرى، أحببت أن أفتح مجالاً للجيل الجديد أن يختبر قدراته، لاسيما أن الظروف تقتضي أن يتحمّل جيل الحداثة مسؤولية. وأخيراً اعتبرتُ أنه من المفيد للجيل الجديد الذي سيتحمّل مسؤولية، أن يُتابع من قبل من لديه خبرة طويلة، لكي تبقى عين ساهرة عليه. والحمد لله نجحنا، إذ ستنتقل السلطة بشكل هادئ ومريح.
وإجمالاً في حزب الكتائب، نحن مرتاحون لطريقة التغيير بحيث يبقى التواصل بين الجيل القديم والجيل الجديد.
** بهذا التغيير هل تطمحون إلى تجديد الدم للحزب؟ بمعنى دخول شباب جدد، خصوصاً أن حزب الكتائب تقليدي وهناك أحزاب أكثر شباباً منه؟
- حزب الكتائب عمره ثمانون عاماً. ولو لم يتجدد باستمرار لما استمر كل هذا الوقت. والدليل على ذلك، أنه في المكتب السياسي الآن، نسبة الإعمار لا تتجاوز الخمسة والأربعين عاماً. ومن المعروف على مدى ثمانين عاماً، أن «مصلحة الطلاب» هي الحركة الدينامكية في الكتائب. ونحن مطمئنون لمستقبل الحزب بروح الشباب الموجودة والتي سجلت بتاريخ لبنان إنجازات يفتخر فيها لبنان.
** بالانتقال للوضع العام. هل تعتقد أن ما سُمي بـ»إعلان النيّات» بين القوات اللبنانية والتيار الوطني الحر، مفيد إلى الوصول يوماً ما إلى التوافق على رئيس للجمهورية؟ أو القبول بمرشح آخر غير الذي يطرحه العونيون؟
- نحن نشجع أي حوار على الساحة اللبنانية. وكلنا قمنا بمساع حثيثة لتعزيز الحوار على الساحة اللبنانية. وقد خاطرنا من أجل دفع مسيرة الحوار.
فإذاً، هذا اللقاء الأخير الذي حصل بين التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية يندرج في إطار النهج الكتائبي. ونأمل أن يتطور، لأن الحوار إما أن يكون هادفاً وإما أن يكون عقيماً. وفي الوقت الحاضر، على هذا الحوار أن يواجه مشكلتين. أولاً، مشكلة تعطيل انتخاب رئيس الجمهورية. فالقطبان اللذان التقيا، معنيان مباشرة بانتخاب رئيس الجمهورية. وإن لم يتحقق ذلك، يجعل الحوارَ ناقصاً. والمشكلة الأخرى، هي مقاربة السيادة على الساحة اللبنانية، لأن هناك جدلاً حول هذا الموضوع. وبنظرنا السيادة تكون ناجزة أو لا تكون. لا يمكن الكلام عن السيادة الوطنية ما دام هناك فئات على الساحة اللبنانية تقيم سيادة ذاتية لها على حساب السيادة الوطنية. ولجهة الجغرافيا، هناك مناطق محرّمة على الجهات الأمنية دخولها. أو على صعيد القضاء هناك تمييز بين «ابن جارية وابن ست».
وكأن القضاء ممنوع عليه الدخول في بعض الأمور بحجة «المقاومة» وما إلى ذلك.
وأيضاً المحكمة الدولية لم تستطع أن تلقي القبض على متهمين معروفين ومطلوبين من القضاء الدولي. من هذا المنطلق، إذا لم تعالج مشكلة السيادة، ولم يكن هناك مفهوم مشترك للسيادة، سيكون هناك عقم بالحوار.
لذلك نتمنى أن تعالج القضيتان، قضية الرئاسة وقضية السيادة، فيكون هذا الحوار منتجاً وإلا ستبقى الأمور على حالها.
** كنتَ من المبادرين، وقمتَ شخصياً بزيارة النائب ميشال عون ضمن جولة مسيحية خصوصاً. في هذا الإطار أين أصبحت جهودكم في تقريب وجهات النظر؟
- كل اللقاءات التي نقوم بها، دائماً نأخذ باعتبار المصلحة الوطنية. والمشكلة الآن ما نعانيه من غياب رئيس الجمهورية وتعطيل الانتخابات. كما أن مفهومنا للسيادة ليس موحداً. كل اللقاءات التي تجمعنا مع الأطراف الأخرى، يكون لتحقيق هذه الأهداف. هناك أطراف نتفق معها كتيار المستقبل، وهناك أطراف النقاش ما زال قائماً معها، مثل حزب الله أو التيار الوطني الحر.
** هناك من يراهن على اتفاق سعودي إيراني، مع تحرك فاتيكاني فرنسي للوصول إلى انتخاب رئيس للجمهورية. وكلنا نعرف ما هي أهمية انتخاب رئيس ماروني بالمنطقة التي تغلي بالدماء والتعصب. هل تعولون على مثل هذه التحركات؟
- مما لا شك فيه أن هناك تداخلاً بين البعد الداخلي والبعد الخارجي لهذه الأزمة اللبنانية. من الواضح أن هناك أوضاعاً سياسية وطموحات سياسية ومذهبية في بعض الأحيان تفرض نفسها في بعض الظروف. وهناك ضغوطات خارجية أو تأثيرات خارجية تتحكم في الساحة اللبنانية وبالقرارات. ومن المعروف منذ البدء، أن هو لبنان محط أنظار، يحلو للبعض استعمالها لتصفية حسابات مع أطراف خارجية أخرى. ومنذ عهد الاستقلال حتى الآن نعرف أن معظم الأزمات التي مر بها لبنان، أكان منذ الخمسينيات، الحقبة الناصرية أو السبعينات الحقبة الفلسطينية أو الثمانينيات الحقبة السورية، أو الآن الحقبة الإيرانية، دون أن نغفل العدوان الإسرائيلي، كانت دائماً التأثيرات الخارجية تحاول أن توجه القرارات الداخلية باتجاهات تخدم مصالحها على حساب مصالحنا الوطنية وهذا ما نعاني منه الآن. وهذا الصراع لبعض المحاور الإقليمية على الساحة اللبنانية، يلعب دوراً مؤثّراً في الاستحقاقات: من رئاسة الجمهورية إلى الاستحقاقات الوطنية.
** هل تعوّل على دور سعودي للملك سلمان بن عبد العزيز، وهو صديق لبنان وصديقكم شخصياً، فيما يتعلّق بتقريب وجهات النظر بالأزمة اللبنانية؟ أم ترى أن الأمر بعيد لأن السعوديين مشغلون بأمور أخرى؟
- بكل موضوعية وأمانة، إنني أشهد بأن السعودية لم تقصر في أي ظرف من الظروف، في مد يد العون للبنان، وهي لم تخدم لبنان ضمن أي مأرب سعودي. خلال رئاستي، أشهد أن الملك فهد بن عبد العزيز، رحمه الله، ضحى بالرخيص والغالي من أجل انتشال لبنان من المستنقع الذي كان يتخطى به، وتقريب وجهات النظر بين لبنان وسوريا في ذلك الوقت. وقد أوفد الملك فهد، الأمير بندر بن سلطان تحت وابل من القصف في ذلك الوقت. أرسله للتوسط ولمساعدة لبنان. لم يكن للسعودية أي مصلحة حينها سوى تقريب وجهات النظر بين لبنان وسوريا. وقد أدت هذه الوساطة إلى مؤتمر جنيف ولوزان حيث تمكنّا من تشكيل أول وحدة وطنية برئاسة الرئيس الراحل رشيد كرامي سنة 1984 .
أما بالنسبة للملك سلمان شخصياً، فسأروي لك حادثة طريفة. أتذكّر أنني زرته في السبعينيات في منتجع في الصحراء وكان قد جهز المكان بوسائل حديثة. فطلبت منه أن «أتكلم عبر الهاتف مع بيروت.. مع منزلي». إذ ذاك نظر إلي نظرة فيها غضب وقال لي: «منزلك هنا»!
والحقيقة، لم أزر يوماً المملكة من دون أن أقوم بزيارة ود وصداقة للملك سلمان، عندما كان أميراً للرياض. وأعتقد أنه خير خلف لخير سلف. وأعتقد أن لبنان في قلب الملك سلمان وقلب ولي العهد الأمير محمد بن نافي، وقلب ولي ولي العهد الذي أخذ عن والده هذه المهمة، ومحبتهم للبنان.
** اليوم ماذا تتطلبون من الملك سلمان أو ماذا تفكرون أن المملكة ممكن أن تساعد لبنان في هذه الظروف الصعبة؟
- حاول البعض أن يشكك باستمرار التزام المملكة في دعم الجيش اللبناني. وإذا بالملك سلمان يتحدث للرئيس تمام سلام كلاماً قاطعاً ويقول له إن «كل شيء ممكن أن يخدم لبنان ويساعد لبنان ويخرجه للخروج من الأزمات، المملكة مستعدة للقيام به». هذا الكلام، يدل على أن الالتزام اللبناني المعنوي الأخوي هو ثابت. أي أن الهبة السعودية مستمرة. وإذا قسنا حجم الدعم السعودي إلى لبنان في السنوات الأخيرة، على ما أعتقد يفوق قيمة الهبة الأخيرة بقيمة 4 مليارات دولار. السعودية لم تنتظر هذه الهبة لتمد يد العون. ونحن نعلم المساعدات التي قدمتها المملكة من خلال الرئيس الشهيد رفيق الحريري للبنان. وإنني شخصياً شاهد على ذلك. ولم تبخل المملكة بمساعدة لبنان، إن كان من الناحية العمرانية أو الناحية السياسية والدبلوماسية. والدعم المعنوي والسياسي تفوق قيمته الدعم المالي المحكي عنه.
** في هذا الجو القاتم الذي تعيشه المنطقة، هل أنت متفائل بعودة العقل وعودة الحكمة في هذا العالم العربي أو الشرق الأوسط الثائر والمجنون اليوم؟
- هناك مصالح مجنونة ومغامرات غير محسوبة تدفع المنطقة إلى صراعات كهذه. وهذا الأمر لا يخدم إلا إسرائيل ومن يتربص شراً بمصلحة العرب. والمؤسف أن هذا الاقتتال والصراعات العبثية الدائرة في بعض الدول، دمرت البشر والحجر ودمرت البنية التحتية التي كلفت أموالاً طائلة لبنائها.
واليوم يقتضي الأمر، إعادة بنائها من الصفر بظروف مالية واقتصادية ليست مشجعة. ولذلك المملكة واعية لهذا الأمر، وربما هي من البلدان التي تحتفظ بقدر كبير من الحكمة والشجاعة لقيادة هذه المرحلة. هناك نظرة مشتركة للمخاطر بضرورة التصدي لها بالحكمة والشجاعة. والذي يحصل بالعالم العربي من تفكك وصدامات شيء مقلق فعلاً.
وهذا التطرف من هنا وهناك، يخرج عن كل تقاليدنا ومصلحتنا العربية. ونعوّل على بعض الجهود العربية ولاسيما الجهود التي يقوم بها الملك سلمان بن عبد العزيز.
لربما ينتصر نهائياً العقل والضمير، ويتوقف هذا الانتحار الجماعي، ونعود معاً نبني هذه المنطقة التي تتمتع بطاقات وأدمغة وثروات طائلة، ونهدرها بشكل عبثي! للأسف، العقل العربي يهاجر ويساهم في إعمار كل الدول، ما عدا الدول العربية.
حتى الثروة الطبيعية عندنا، نهدرها ونحرقها ونبددها.