د.عيد بن مسعود الجهني
عقدت منظمة الدول المصدرة للبترول (أوبك) اجتماعها نصف السنوي في الخامس من هذا الشهر في العاصمة النمساوية فيينا، وقد أبقت المنظمة على إنتاجها (30) مليون ب - ي، ويبدو أن المنظمة عازمة على تمسكها بسقف إنتاجها حيث ترى أنه من غير الحكمة
تقليص إنتاجها، إذ إن كل برميل تفقده يذهب إلى الدول المنتجة خارج الأوبك وشركات النفط الدولية.
وقد جاء الاجتماع، والسوق الدولية تشهد تغيرات عديدة من بينها توقُّع عودة إيران العضو في المنظمة إلى السوق، حيث يتوقع أن تصل إلى اتفاق بشأن ملفها النووي مع الدول (خمسة +1) واحتمال رفع العقوبات الاقتصادية عنها.
ولا شك أن قرار أوبك الإبقاء على سقف إنتاجها فيه خدمة لمصالحها، وإذا كان هناك خفض للإنتاج فإنه من المهم أن يكون بالتشاور مع الدول الرئيسة المنتجة خارج المنظمة، وفي مقدمتها بالطبع روسيا والنرويج والمكسيك وغيرها من الدول، خصوصاً أن روسيا لا تزال متمسكة بعدم خفض إنتاجها من النفط على ما يبدو خصوصاً وهي تعيش ظروفاً اقتصادية صعبة في ظل العقوبات الغربية المفروضة عليها بسبب الأزمة الأوكرانية، ويهمها ضخ مزيد من بترولها في سوق البترول الدولية لتعويض انخفاض أسعار البترول وتردي عملتها وارتفاع نسبة التضخم وحاجتها للعملات الصعبة.
لا شك أن قرار المنظمة (المملكة، الإمارات، الكويت، قطر، ليبيا، الجزائر، إيران، نيجيريا، أنجولا، الأكوادور، فنزويلا) الإبقاء على سقف الإنتاج عند (30) مليون ب - ي هو الخيار الأفضل، رغم أن هذا قد يؤدي إلى تراجع الأسعار، لكن الأوبك ليس لديها أي خيار آخر فأي برميل تفقده سيذهب إلى الدول خارجها ومعها شركات البترول الدولي.
صحيح أن أسعار البترول هبطت من (100) دولار لتكسر حاجز الـ (50) دولاراً نزولاً قبل أن تتعافى ليبلغ متوسط السعر بعد قرار المنظمة (62) دولاراً، لكن محافظة الأوبك على حصتها 30 في المائة من الإنتاج العالمي (93.5) مليون ب - ي، يدخل في هذا الرقم (4) ملايين ب - ي من البترول الصخري والباقي هو حصة النفط التقليدي.
المهم أن البترول التقليدي صامد كالطود في ظل تدني أسعاره، أما الصخري الذي زادت الكميات المكتشفة منه خلال السنوات الماضية وزاد احتياطيه فإنه وإن تلقى ضربة موجعة تحد من زيادة إنتاجه مع تدني الأسعار، فإن الرياح قد تعود لتهب عليه رخاء إذا ارتفعت الأسعار فوق (75) دولاراً.
سؤال هام هنا يطرح نفسه بقوة: إلى أي مدى تستطيع دول الأوبك خصوصاً دول المجلس تحمُّل انخفاض إيرادات النفط بعد أن بلغت الإيرادات الثريا خلال السنوات الماضية، مثلاً السعودية ميزانيتها للعام الماضي (860) مليار ريال ودخلها للعام نفسه من الذهب الأسود تجاوز (1.1) تريليون ريال ومع انخفاض الأسعار فإن هذا الرقم قد ينخفض إلى النصف تقريباً، وينطبق هذا على الإمارات، الكويت، قطر.
المهم مرة أخرى أن الأوبك أبقت على إنتاجها كما هو، وهذا ضد رغبات شركات البترول الصخري، فهي تدرك أن معادلة خفض أوبك لسقف إنتاجها يخرج من رحمها ارتفاع الأسعار، وهذا يعيد الحياة إلى الزيت الصخري المنافس الجديد للبترول التقليدي.
البترول الصخري إمبراطوريته أمريكا، وفي ذلك البلد ومع انخفاض أسعار البترول بشكل حاد فإن نتيجته الحتمية انخفاض عدد منصات الحفر في أمريكا إلى 850 بعد أن كانت 1600 منصة خلال الأشهر الماضية الماضية، هذا رغم أن ذلك التخفيض في عدد المنصات يقلل التكلفة إلا أنه في النهاية لا يصب في مصلحة البترول الصخري، الذي يُعد في حقيقة أمره إنتاجاً أمريكياً صنعته ظروف متعددة في ذلك البلد منها ما هو اقتصادي وجيولوجي ولوجستي، وارتفاع أسعار النفط التقليدي والطاقة عموماً ومنها توفر العديد من الشركات المتخصصة في هذا الميدان متسلحة بعنصر بشري مدرب تدريباً عالياً، ناهيك عن توفر عدد كبير من أجهزة الحفر ورؤوس الأموال وسهولة الحصول على الأراضي عن طريق الاستئجار.
لا شك أن نتائج الاجتماع الأخير للأوبك الذي قادته دول المجلس الأربع المملكة، الإمارات، الكويت، قطر، لتعلن عدم موافقتها على خفض الإنتاج، وبذا وضعوا إستراتيجية الأوبك للمحافظة على سقف إنتاجها، هذا لأن وزراء النفط بتلك الدول يرون - ونحن نتفق معهم - أن السوق تحسنت كثيراً مقارنة مع الانخفاض الحاد الذي كسر حاجز الـ (50) دولاراً نزولاً.
بل إننا نعتقد أن سوق النفط الدولية ستكون في المستقبل القريب أكثر توازناً، خصوصاً إذا فهمت الدول خارج المنظمة ومعها شركات البترول الدولية، رسالة الأوبك وتعاون الجميع من أجل استقرار سوق النفط الدولية.
إذا تعاون الجميع للملمة السوق الدولية سيكسب الجميع، وإذا شنت حرب أسعار من خلال زيادة الإنتاج خارج الأوبك، فإن هذا سيعيد سوق البترول الدولية إلى عهد الثمانينيات والتسعينيات عندما هوت الأسعار إلى (7) و(10) دولارات قبل أن تتعافى.
ويبقى القول إن إستراتيجية الأوبك في الحفاظ على سقف إنتاجها فيه ميزات منها المحافظة على سعر عادل للبترول، وإبقاء الزيت الصخري في حيز السوق الأمريكية التي تملك أفضلية فيها فهو ينتج هناك ويباع في الداخل فلا يتعدى الحدود، لكن إذا تجاوزت أسعار النفط التقليدي حاجز الـ (75) دولاراً، فإن شركات البترول الصخري ستتحفز لزيادة الإنتاج والتصدير.
إن أوبك عليها المحافظة على الدجاجة التي تبيض ذهباً، وهذا لن يكون سوى باتحادها صفاً واحداً وإصلاح بينها في الداخل حتى لا تثور داخلها نزاعات قد تؤدي إلى عطب في السفينة.
ودول المجلس الأربع التي تمسكت بسقف إنتاج الأوبك.. ليتها تفكر كثيراً وتخطط وتضع الإستراتيجيات من أجل توسيع دائرة تنويع مصادر دخلها.. والاستثمار في العنصر البشري المؤهل القادر على العطاء الذي يطلبه سوق العمل، ففيه قيمة مضافة للاقتصادات والتنمية المستدامة أنه عماد وتقدم الدول ونموها.. فهو أغلى من النفط والغاز. والله ولي التوفيق.