د.عيد بن مسعود الجهني
عاصفة الحزم ستبقى واحدة من أهم وأكثر العمليات الحربية المشتركة نجاحا، وستدرس في المعاهد والكليات العسكرية لسنوات طويلة مقبلة، فنطاق العمليات وسرعة التخطيط والتنفيذ قد أدهشت العالم، فخلال وقت قصير حققت قوات التحالف الجوية بقيادة المملكة السيادة الجوية الكاملة على جميع أراضي اليمن شماله وجنوبه شرقه وغربه ووسطه.
أما قوات العميل علي صالح والحوثيين وإيران فلم تتمكن من الدخول في قتال مؤثر وحيلتها الوحيدة الهروب من مواجهة طائرات التحالف والاندساس بين السكان الأبرياء، وقد نتج منذ أيام (العاصفة) الأولى الجوية تدمير معظم أنظمة القيادة والسيطرة لقوات الحوثيين وعلي صالح وكبيرتهم طهران، إضافة إلى المنشآت العسكرية والبحث عن صواريخ سكود والبالستية ومنصاتها وتدميرها وقطع خطوط التموين وقصف كل التشكيلات الأرضية.
بهذه الرسالة رسالة (القوة) السعودية، لعل إيران ومن معها يفهمون!! لكن طهران الصفوية لا تعرف سوى صناعة الأزمات في الوطن العربي والإسلامي والتدخل السافر في بلاد العرب حاملة رسالة الطائفية الدينية وغرسها في إحساس الشيعة العرب من أجل إعادة عهود دولة فارس البائدة.
وهي (طهران) تضرب على هذه النغمة الفاسدة في العراق وبلاد الشام ولبنان، وهاهي في اليمن تدعم فئة قليلة من اليمنيين الشيعة لمحاربة إخوانهم اليمنيين لتخلق العداوة والبغضاء بينهم، فثارة ثائرة اليمنيين ضد هذا التدخل الإيراني السافر.. فاليمنيون كافة لن ولم يقبلوا تسليم مقاليد الحكم في بلادهم لدولة فارس.. والعرب أصحاب النخوة والشجاعة والرجولة بقيادة المملكة لن ولم يقدموا اليمن لطهران التي ترفع السلاح بكل أنواعه محاربة باسم الإسلام وهي من ذلك براء.
من هنا جاءت رسالة عاصفة الصحراء الإستراتيجية رسالة (قوة) تضرب معاقل وقوات علي صالح (المخلوع) والحوثيين المنقلبين على الشرعية الدستورية في اليمن بدعم وتدخل إيراني.. وهذه الضربة الجوية التي جاءت باحترافية واستراتيجية عسكرية مدروسة بدقة متناهية فاجأت طهران وأعوانها الانقلابيين، كما فاجأت حتى العسكريين والمحللين الاستراتيجيين على حد سواء.
إنها رسالة سعودية تقول إن من أساسيات أمننا القومي حماية كل حدودنا الدولية، واليمن جزء من أمننا القومي، فأمنه هو أمننا، وامتلاك المملكة للقوة في مقدمة أهم أهدافها تأمين الحدود وما بعد الحدود بالقوة السعودية بمفهومها المتعارف عليه دوليا إذ بها تنال الحقوق وتصان العروض، وبها يسلم الشرف، هي هيبة لمن يملكها، وركن مكين يحمي السيادة والاستقلال، وحصن حصين من اعتداء المعتدين وجور المتكبرين، وصاحبها موفور الكرامة، لا يتجرأ عليه سفيه، مهاب الجانب، لا يتطاول عليه متطاول، مسموع الكلمة، إذا قال أجاب الناس، وقالوا ذلك هو الحق نافذ الأمر، إذا أمر قال الناس سمعاً وطاعة.
و(القوي) من أسماء الله الحسنى بها أثنى على نفسه في كتابه العزيز فقال إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ الطور 58، وقال
أَنَّ الْقُوَّةَ لِلّهِ جَمِيعاً البقرة 165، وأثنى الله بالقوة على أحد ملائكته وهو جبريل حيث قال في كتابه العزيز ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى النجم 6، ودعا القرآن المسلمين إلى امتلاك القوة فقال وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُمْ الأنفال 60.
وأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم، أن المؤمن القوي أقرب وأحب إلى الله فقال (المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف) رواه مسلم، فالقوة ليست ترفاً، بل هي حاجة حقيقية للفرد والمجتمع والدول.
لا شك أن (معركة الحزم) معركة إستراتيجية ليست فقط مجرد طائرات تحمل صواريخ موجهة، فهي تتعداها إلى الإدارة للقوة المؤهلة بمفهومها المتعارف عليه ومفهومها العسكري فهي (عاصفة) تضافرت القدرات والطاقات السعودية وقوى التحالف لبلوغ المنشود لنجدة أهل اليمن تلبية لنداء رئيسهم عبد ربه منصور هادي ودعوتهم لنجدتهم ضد الفرس الغازين والانقلابيين في بلادهم الذين أضرموا النار على أهل اليمن قتلا وتشريدا ونهبا وتدميرا للمساجد والمدارس والمعاهد والجامعات والمستشفيات والشجر والحجر.. إلخ.
لقد كشفت ضربات العاصفة تواضع خبرة واستعداد الحوثيين والعميل صالح على حد سواء على المستوى العسكري أو المعلوماتي والاستخبارات، وظهر للعالم إنهم مجرد عصابة قذف بهم الفرس إلى المهالك، فأقدموا على مغامرات عسكرية وأمنية غير محسوبة العواقب، ناهيك عن عدم نضجهم السياسي لرفضهم مرارا وتكرارا الدخول في حوار لحل أزمة البلاد، وعدم قدرتهم على إدارة الأزمة العسكرية والإستراتيجية والسياسية التي ادخلوا أنفسهم فيها منذ دخولهم العاصمة صنعاء، الأمر الذي تسبب على الفور بسحب جميع الدول لسفرائها بمجرد صدور قرار المملكة سحب سفاراتها من ذلك البلد، وتبع ذلك -مؤخرا- ترحيل الدول لمواطنيها من بلد أشعل أتباع طهران النيران.
إن ما يتلقاه اليوم العميل صالح والحوثيون من ضربات جوية قاتلة هو نتاج لما ذهب إليها هؤلاء المتهورون الذين هرولوا وراء التدخل الإيراني في اليمن الشقيق بعد أن دنسوا العراق والشام ولبنان وأشاع التدخل الإيراني المخالف للقانون الدولي والأعراف والشرعية الدولية وميثاق الأمم المتحدة، الفوضى العارمة في كل دولة تدخل فيها، فأحال أمنها واستقرارها إلى حروب وصراعات ونزاعات وتدهور سياسي وأمني واقتصادي، بل وتفكك اجتماعي ونشر الفتن الطائفية التي لم تكن معروفة قبل ثورة الخميني عام 1979 التي جاءت خرابا ودمارا على بعض دول الجوار لذلك البلد.. وها هي تتجدد في أراضي اليمن تحت مظلة الحوثيين القلة القليلة في اليمن والعميل علي صالح.
ولكن العرب بقيادة المملكة لن ولم يقبلوا تمزيق اليمن وضياع وحدته، ولن يقبلوا أن يبلغ الفرس وأعوانهم أهدافهم باليمن السعيد، وأهل اليمن الطيبين الأخيار لن يقبلوا أبدا أن يكونوا مطية للفرس، ولذا مدوا أيدهم إلى الجار الكبير منادين طالبين النجدة، رئيسهم قالها صريحة قبل وبعد مؤتمر القمة في شرم الشيخ، وأهل اليمن قالوها جهارا نهارا ورفعوا فوق رؤوسهم صور خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز الذي لبى نداءهم بنخوة وشجاعة وفروسية عربية.. بعاصفة الحزم.. القوة.
هذا لأن المملكة التي كوّنت التحالف القوي تملك مفاتيح القوة، فامتلاك القوة أبلغ وسيلة للحد من استخدام القوة المضادة.. فلا يفل الحديد إلا الحديد - خصوصا في الممارسات الدولية، فالقوة ضرورة حتمية لحماية الحق تفرضها ظروف المتغيرات الدولية، وبذا نجد أن مبدأ «القوة تحد القوة» لا يزال سائدا في الفكر السياسي الدولي رغم المواثيق الدولية التي تدعو إلى منع استخدام القوة في العلاقات الدولية إلا أن الواقع يقول إن القوة أنجع وسيلة وأمضى سبيل وعنصر جوهري لوجود الدولة، وكيانها وسيادتها والوقوف مع الحق ضد الظلم، وهذا ما فعلته المملكة وتفعله منذ تأسيسها عام 1351هـ وتقوم به اليوم وما عاصفة الحزم إلا تأكيد طبيعي لمواقف المملكة.
وإذا كانت قضية تآمر الفرس وعملائهم علي صالح والحوثيين على اليمن وأهله مخططين لأمور غاية في الخطورة ضد اليمن، فإن المملكة التي تقود تحالف (الحق) ضد (الظلم) البواح، سيقف هذا التحالف القوي ضد تلك النوايا العدوانية الرهيبة التي تم التخطيط لها في بلاد فارس، وتلقفها العملاء صالح والحوثيون، كجزء من مؤامرة كبرى تتجاوز أهداف ضرب اليمن وأهله إلى دول الجوار وغيرها من الأوطان العربية.
وإذا كان قرار شن حرب ضروس على اليمن والقضاء على حوثييه وقتل وتشريد أهله والقضاء على مكتسباته وتدميره وعزله عن أمته قرارا فارسيا صرفا، فإن خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز اتخذ قرارا سعوديا تاريخيا لردع العدوان.
والله ولي التوفيق.