إعداد - وحدة الأبحاث والتقارير الاقتصادية بـ«الجزيرة»:
تعمل الهيئة العامة للاستثمار، على تشجيع الاستثمارات الأجنبية بشتى الطرق، وخلال السنوات الأخيرة تم إجراء الكثير من التعديلات الجوهرية لانتقاء أفضل وأصلح الاستثمارات الأجنبية للسوق السعودي. فالسوق السعودية بطبيعتها هي سوق جاذبة، كون المملكة سوقاً استهلاكياً ضخماً وكثيفاً للعمالة الأجنبية، بالإضافة إلى امتلاكها قدرات شرائية هائلة، فيما تندمج مع السوق السعودية كافة أسواق دول مجلس التعاون الخليجي الأخرى نظراً لسريان اتفاقية التنقل والانتقال فيما بينها. لذلك، فإن حجم السوق السعودية يقاس بأنه يساوي حجم السوق بدول مجلس التعاون بما يعادل 51.0 مليون نسمة حالياً (حسب إحصاءات 2015م).
كما تعد المملكة أحد أكبر 20 اقتصاداً في العالم، فضلاً عن أنها تحتل المرتبة الخامسة عالمياً في «الحرية المالية». ومن ناحية أخرى، تعد المملكة من أسرع دول العالم نمواً، حيث يفوق متوسط دخل الفرد حوالي 25000 دولار. كما تتمتع ببيئة استثمارية جذابة وسريعة التكيف مع المتغيرات العالمية، وهي تمثل أكبر اقتصاد حر في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وتستحوذ على 25% من مجموع الناتج المحلي الإجمالى العربي. أما الأمر الأعلى أهمية أنه لديها 25% من احتياطي النفط فى العالم.
لكل ذلك، فإن أوضاع تدفقات الاستثمار الأجنبي تختلف جذرياً بالمملكة عنها في دول أخرى بالمنطقة العربية. فغالبية الدول، تستقطب الاستثمارات الأجنبية بصرف النظر عن حجمها أو هويتها أو كياناتها القانونية أو حتى أهميتها، أي أن الدول الأخرى تهتم بجذب أي سيولة أجنبية غالباً، أما المملكة، فإنها تستقطب استثمارات أجنبية بعينها تتوافق مع معدلات النمو الاقتصادي المستهدف في القطاعات المختلفة، فهناك قطاعات اقتصادية قد لا تحتاج لاستثمارات أجنبية، كما أن المملكة باتت تستقطب الاستثمارات الأجنبية لأنشطة اقتصادية دون الأخرى.
وقد وصل حجم الاستثمارات الأجنبية المتراكمة والمتدفقة إلى الداخل بالمملكة في نهاية عام 2012م إلى حوالي 199.0 مليار دولار، في حين وصل حجم هذه التدفقات السنوية في عام 2012م نفسه إلى حوالي 12.2 مليار دولار، وذلك بعد أن كانت تصل إلى 32.1 مليار دولار في عام 2009م .. وهذه الاستثمارات الأجنبية تم تقليص وإيقاف تدفق أنواع عديدة منها لا تخدم مصالح الاقتصاد الوطني من حيث النشاط، فكثير من هذه الاستثمارات كانت استثمارات رديئة من حيث النشاط، حيث إنها كانت تنافس أنشطة محلية متاحة يوجد لها مستثمر محلي، وقد أحرزت الهيئة العامة للاستثمار نجاحات مهمة في الحد من تلك الاستثمارات الأجنبية غير المهمة.
اشتراطات لائحة الاستثمار الأجنبي حسب الحجم
تشير المادّة السادسة من لائحة الاستثمار الأجنبي بالمملكة، إلى شروط وضوابط منح الترخيص للاستثمار الأجنبي، حيث تنص في البند الثالث على أن ألا يقلّ حجم المال المُستَثّمَر عن (25) مليون ريال سعودي بالنسبة للمنشآت الزراعيّة.. وتنص في البند الرابع على أن ألا يقل حجم المال المُستَثّمَر عن (5) ملايين ريال سعودي بالنسبة للمنشآت الصناعيّة.. أما في البند الخامس على أن ألا يقل حجم المال المُستَثّمَر عن مليوني ريال سعودي بالنسبة للمنشآت الأُخرى وفقاً لضوابط وقواعد تفصيليّة يضعها مجلس الإدارة.
وهذا النص محل نظر.. حيث إنه الآن ظهر نوع آخر من الاستثمارات الأجنبية توجد في نشاطات معينة ومرغوبة، ولكنها تنافس في الوقت نفسه المشاريع الصغيرة والمتوسطة والتي تراعاها الدولة وتدعمها.. إنها منافسة من حيث الحجم، والسؤال الذي يثير نفسه: كيف يمكن أن نقبل استثمارات أجنبية قيمتها تقل عن حجم التسهيلات الحكومية المقدمة لمشاريع صغيرة؟؟.. على سبيل المثال يقوم بنك التسليف والادخار بتقديم تسهيلات تمويلية للمشاريع الصغيرة والمتوسطة داخل مسار التميز للمشاريع التي تصل قيمتها إلى 8.0 ملايين ريال بتقديم تسهيلات تصل إلى 4.0 ملايين ريال.. وهنا ينبغي النظر في إرساء قاعدة بتقليص والحد من الاستثمارات المماثلة في الحجم لهذه القيمة.
ويعد بنك التسليف هو الداعم الرئيس للمشاريع الصغيرة بالمملكة .. لذلك، فإن سقف المشاريع التي يدعمها البنك هو 8.0 ملايين ريال .. وهذه القيمة ينبغي أن تؤخذ لكي تمثل سقف الحد الأدنى للاستثمارات الأجنبية التي تستهدفها المملكة.. حتى نضمن عدم مزاحمة هذه الاستثمارات الأجنبية للمشاريع الصغيرة المدعومة حكومياً بالمملكة.. فالمشاريع الصغيرة هي مشاريع ناشئة تحتاج لاحتضان، وخاصة أن الدولة تنفق عليها جزءاً مهماً من الموازنات الحكومية سنوياً من خلال الصناديق الحكومية المتخصصة.
والمشاريع الناشئة عموماً وخاصة صغيرة الحجم منها، لا تقوى على المنافسة وخاصة إذا كانت هذه المنافسة قادمة من الخارج وتمتلك من الخبرات والمهارات ما يؤهلها إلى دحر هذه المشاريع الناشئة.
ويعد مجال الفرانشيز أو التراخيص من أعلى من المجالات التي تتسبب في منافسة الأجنبي للمستثمر المحلي، وخاصة مع انتشار كثيف لتراخيص لا يزيد حجم رؤوس الأموال فيها عن 5 إلى 10 ملايين ريال..
أيضاً تنوه وحدة الأبحاث والتقارير الاقتصادية بالجزيرة إلى نقطة اقتصادية مهمة، وهي الفرق بين رأس المال النظامي المكتوب على الأوراق وفي المستندات وبين رأس المال الحقيقي الذي يتم ضخه على أرض الواقع .. فكثير من الشركات رؤوس أموالها النظامية في السجلات والتراخيص تصل إلى 10 أو 20 مليون ريال، ولكن سيولتها الحقيقية التي تضخها في السوق السعودي قد لا تزيد عن 1 أو 2 مليون ريال .. وهذه نقطة تتطلب معايير صارمة للتغلب عليها، حتى لا ينفذ للسوق السعودي استثمارات صغيرة تتلبس برؤوس أموال كبيرة غير حقيقية.