ناصر الصِرامي
25 ثانية مباشرة ومختصرة، ولها تأثير عشرات الخطابات والمقالات والحوارات والتحليلات. بل وتضع رسماً وتفسيراً واضحاً لكل ما يحدث اليوم في الدول الفاشلة في العراق ولبنان واليمن وسوريا.. وصولاً إلى ليبيا.
25 ثانية كانت أكثر فيديو تداوله السعوديون الأسبوع الماضي- إلى اليوم - عبر كل منصات التواصل، وشبكة الإنترنت، وصولاً إلى شاشات القنوات الفضائية العملاقة.
هو ذلك الفيديو القصير الذي ظهر خلال زيارة سمو ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء ووزير الداخلية الأمير محمد بن نايف، خلال زيارة العزاء والمواساة لأسر وذوي المواطنين الذين قتلوا في الجريمة الإرهابية في القديح؛ حين اقترب احد المواطنين من ولي العهد أثناء السلام عليه:
- «احنا نقول إذا الحكومة ما تقوم بدورها، فهي - تسمح لي سمو الأمير - شريكة في هذا الجرم».
ولي العهد بعد أن ترك للمواطن حرية الحديث، رد قائلاً:
- «شوف، أسمع، أنا أدري أنك منفعل، ولا ألومك، لكن الدولة قائمة بدورها، وأي أحد سيحاول القيام بدور الدولة سيحاسب. لن تأخذها في الله لومة لائم. الدولة ستبقى دولة، وستضبط الأمن مع من يخالف كائناً من كان. خلينا كلنا نكون يداً واحدة مع الدولة».
لن أتحدث هنا عن الحلم والهدوء الذي كان عليه الأمير محمد، ولن أقارن هذا الحوار حتى بإمكانية تخيله في دول أخرى بالمنطقة، وماذا يمكن أن يحدث لمن يواجه مسؤول على هذا النحو من الصراحة والاتهام للدولة أمام رجلها الثاني في تراتبيت الحكم، فتلك قصة أخرى أيضاً..
لكن ما أعنيه هنا البيان السياسي الذي قدمه سمو ولي العهد بشكل واضح وحاسم وحازم، فالدولة القوية تبقى هي من تتناول وتتولى كافة أدوارها عبر مؤسساتها، ولا يمكن أن تترك أو تسمح لأشخاص أو جمعيات أو تجمعات بالقيام بدورها.
هذا هو الفرق بين الدولة القوية الراسخة المتمكنة، وبين الدول الأخرى الفاشلة، الدول التي لا تملك قرارها، وتسيطر عليها مليشيات وقوى عسكرية خارجية أو داخلية.
انظر إلى ما حدث ويحدث، وما سيحدث في لبنان، حين أضعفت الدولة سابقاً وأصبح حزب مثل حزب الله - التابع لإيران ولولاية الفقيه تحديداً - يتحكم بكل مفاصل الدولة من المطار إلى الأمن إلى مناصفة القرار السياسي، بل إلى إعلان قرار الحرب والسلم، إلى أن سيطر بشكل كامل على مؤسسات الدولة وأفرغها من قمة استحقاقها الرئاسي، فالبلد بدون رئيس لمدة عام بالتحديد.. ومتورطة في مواجهات مذهبية داخل سوريا وعلى حدودها، مواجهات قد تصبح حرباً طاحنة مشتعلة بفضل غياب الدولة، والسماح لمليشيات عسكرية بالتحكم في مصيرها.
ثم أمامك المشهد العراقي للدولة الفاشلة بامتياز، حتى في مواجهة احتلال أراضيها من قبل مليشيات داعش. دولة عجزت عن ضبط الأمن الداخلي مسبقاً، وسمحت لمليشيات بلا حصر تابعة لمراجع دينية وأخرى سياسية بالتوسع، وحين فشل جيشها بالدفاع عن أرضه وعرضه شكلت قوى الحشد الشعبي، وهي قوات عسكرية تنتمي إلى المكون الشيعي، وتشمل الفصائل الكبيرة المعروفة، مثل منظمة بدر وكتائب حزب الله وعصائب أهل الحق وسرايا السلام (جيش المهدي سابقاً) ولواء الخراسان وغيرها. إنه مشهد عن دولة فاشلة ومتورطة بقوى ومليشيات تتحكم في قرارها السياسي والأمني.
ثم أمامك مشهد اليمن حين سعى الحوثيون إلى ضرب كل مؤسسات الدولة، والانقلاب على أي اتفاقات ممكنة أو واردة، على نفس نموذج حزب الله اللبناني - الإيراني، تفوقت المليشيا على الدولة واحتجزت الرئيس ورئيس الوزراء والوزراء تحت الإقامة الجبرية.أفشلت الدولة وسرقتها بالكامل، قبل أن تأتي مرحلة الحزم.
هذا النموذج الإيراني وغيره، في التخريب والانقلاب والتحكم لا يمكن لدولة بحجم وتاريخ ووجود وكيان وصلابة المملكة العربية السعودية أن تسمح به، أو أن تسمح حتى بتخيل إمكانية حدوثه.
هذا بعض ما أفهمه مما قاله سمو ولي العهد في 25 ثانية..