د. محمد عبدالله الخازم
في مقالات سابقة اقترحت تأسيس هيئة تنظيم الخدمات الصحية كبديل للمجلس الصحي، وكذلك اقترحت زيادة مساهمة القطاعات العسكرية والتعليمية وغيرها في مجال تقديم الخدمات الصحية. وكاستمرار لشرح الفكرة، وكيف يمكن التغلب على بعض نتائجها التي قد لا تكون إيجابية، أواصل الكتابة عن فكرة تعاون القطاعات المقدمة للخدمات الصحية، وأبرزها وزارة الصحة، الخدمات الصحية بالجامعات، الخدمات الصحية بالقطاعات العسكرية والأمنية، ومؤسسة مستشفى الملك فيصل التخصصي والقطاع الخاص. التعاون أو التكامل المطلوب، ولا يعني هيمنة قطاع على آخر، بل إنه ممكن وضع خطة يمكن تسميتها خطة دمج، أو التنسيق بين مقدمي الخدمات الصحية، تتولى الإشراف عليها هيئة تنظيم الخدمات الصحية التي سبق أن اقترحتها. وهذا التنسيق سيكون على ثلاثة مستويات. أستخدم مصطلح التنسيق، وأتمنى أن نتجاوزه مستقبلاً لنصل مرحلة الاندماج والتكامل الحقيقي بين مختلف القطاعات الصحية، بالذات الحكومية.
أولاً: التنسيق على مستوى الوحدات الوظيفية
ويقصد به التكامل على مستوى الوحدات الوظيفية، مثال النظام التأميني الصحي، المشتريات، المعلومات الصحية، التخطيط الاستراتيجي، الجودة وغيرها من الوحدات. قد يبدأ ذلك على مستوى الوحدات عن طريق المشاركة في السياسات واللوائح والمعلومات، وغير ذلك. على أن الهدف هنا هو التكامل والتنسيق وتبادل المعلومات والاستفادة من الموارد المختلفة، وليس المركزية أو التحكم من قِبل جهة واحدة.
ثانياً: التنسيق على مستوى الكوادر البشرية
وأهم عنصر هنا هو الأطباء. والمطلوب هنا هو كيف نجعل من عمل الطبيب ذا جدوى اقتصادية عالية، وفي الوقت نفسه ذا جدوى مهنية، بحيث يستفاد منه عبر أكثر من قطاع ووفق الوظائف المطلوبة، سواء الخدمية أو التدريبية. بمعنى آخر، يصبح هناك نظام مرن، يجعل من الطبيب قيمة يستفاد منها وطنياً، بغض النظر عن مرجعيته المؤسسية. حالياً، رغم قلة الأطباء فإنه يضاف إلى ذلك هدر كبير في الاستفادة منهم بشكل أمثل، فنجد منهم ذا التخصص النادر في مستشفى لا يستفيد بشكل مثالي من تخصصه، وهناك أطباء تخصصات نادرة متفرقون بين أكثر من مؤسسة بشكل يجعل الاستفادة منهم غير مثالية، وهناك جهات لا تقدر التخصص الطبي كالآخرين فيهرب منها المتميزون؛ ويتكدسون في مؤسسات محددة، وهكذا. كما نجد ضعف التنسيق بين المؤسسات في إخراج برامج تدريبية متقدمة.. إلخ.
ثالثاً: التنسيق على مستوى الخدمة السريرية
وهنا يصبح المطلوب وجود مظلة تنظيمية تنظر للخدمة الصحية من منظور التكامل الرأسي على مستوى الرعاية من أساسية إلى متقدمة، وأفقياً على مستوى توزيع ونوعية العيادات والمراكز وتكاملها بدلاً من تكرراها بشكل يخل بأدائها. وهنا يجب تطوير التعامل مع الأمراض وتسهيل انتقال الملف الطبي من مستوى إلى آخر، ومن مؤسسة إلى أخرى. بمعنى آخر، التأكد من تقليص الفجوة والفراغ والتكرار في الفحوصات والاختبارات والخدمات الذي يحدثه وجود جهات أشبه بجزر معزولة عن بعضها في تعاملها، كل مع الأخرى.
أختم بالتشديد على توافر الفرصة الذهبية في وجود مجلس الشؤون الاقتصادية والتنموية في إصلاح الخدمات الصحية، متمنياً مناقشة مقترحنا هنا بالبدء في إيجاد مظلة عليا تعمل على تنظيم الخدمات الصحية وتكاملها مع زيادة مساهمة كل منها. تلك المظلة التي سبق أن كتبت عنها تحت عنوان (هيئة تنظيم الخدمات الصحية) بتاريخ 22 مارس 2015م. وبالطبع يأتي بجانب فكرة الإصلاح هذه على المستوى الوطني، ذلك المطلوب على مستوى وزارة الصحة. ربما الموضوع عن إصلاح وزارة الصحة ذو شجون لكنه يستوجب منا الانتظار لمعرفة توجهات القيادة الجديدة لوزارة الصحة أو مدى استقرارها في موقعها وبدئها في الإصلاح الإداري اللازم.