معالي الشيخ الدكتور عبدالرحمن بن عبدالعزيز السديس رجل في هذا الزمان، والرجال أمثاله قليل، وكريم والكرماء من جنسه معدودون في هذا العصر على الأصابع، فكان لزاماً عليّ أن أبدي شيئاً مما يتمتع به معاليه الكريم من الخصال الحميدة ومكارم الأخلاق، وقمة التواضع، فمما منَّ الله وأفاء به عليه وأكرمه به الأخلاق الحسنة الفاضلة الرفيعة الراقية، والتواضع الكبير الجم، ولم أتجرأ بمدحه كذباً -والعياذ بالله- ولكنني من شهداء الله في أرضه، وسأتطرق وأذكر بإذن الله جانباً من أخلاقه، وشيئاً من تواضعه وهو قليل من كثير، وقطرة من مطر، ونقطة في بحر، وغيض من فيض، وجزء يسير لا يتجزأ، فهو -حفظه الله- لا يكاد يراني وغيري من إخوانه المسلمين من أهل هذا البلد وغيرهم إلا ويبتسم ويهش ويبش، وكأنك تعطيه الذي أنت سائله كما كان قدوتنا وحبيبنا وقرة أعيننا نبينا محمد بن عبدالله -صلى الله عليه وسلم-، حيث اتخذ رسولنا عليه الصلاة والسلام قدوة حسنة في جميع ما أكرمه الله به من أخلاقه الغنية عن التعريف, حيث كان خلقه -صلى الله عليه وسلم- القرآن، ناهيك عن الكرم والجود اللذين هما خصلة من خصال معاليه الكريم، وطبع من طباعه، وقد عكس ذريته الكرام صورة حية عنه، ووفقهم الله لسلوك منهجه، ونهج طريقته ونشأوا وتربوا على ما عليه والدهم الكريم، وعكسوا صورة حية مشرقة عنه، ومن شابه أباه فما ظلم، ومنهم وعلى رأسهم ابنه الشاب الشهم الشيخ عبدالعزيز، أنعم به وأكرم وبإخوانه الكرام.
ومما أتذكره وأذكره في هذه العجالة أنني ذات مرة وفي إحدى الليالي، وبعد أن تشرفت بأداء صلاة المغرب في المسجد الحرام وبعد الفراغ من الصلاة، كنت أتحرى الفرصة المناسبة للظفر والتشرف بالسلام عليه -حفظه الله- بعد خروجه عبر باب الملك عبدالعزيز -رحمه الله- آنذاك، وكان محاطاً بدائرة رجال الأمن المختصين -جزاهم الله خيراً- لحماية أئمة المسجد الحرام بعد الله عز وجل ودفع الزحام عنهم، فما كان من معاليه الكريم بعد أن رآني وشاهدني حوله إلا وهرع وبادر بالمجيء إليّ، لكي أسلم عليه، وتوديعه -حفظه الله ورعاه- وأنا أتضرع بالدعاء له ولوالديه وجميع أحبابه وذرياتهم والمسلمين.
ومما شهدته من أخلاقه الكريمة وتواضعه الجم الكبير، أنه ذات يوم عندما أردت التشرف بالسلام عليه أنا وابني البالغ من العمر قرابة الثمان سنوات في جوار مكتبه الموقر بالحرم المكي الشريف بمدخل باب الملك عبدالعزيز -رحمه الله- فانحنى وجلس قليلاً ليقبل ابني ويلاطفه، وكان من الأجدر والأولى أن أقوم أنا برفع ابني لأمكنه من تقبيل رأس معاليه الكريم، ولكن فاتني ذلك ويكفيه شرفاً أنه محل ثقة ولاة أمورنا -حفظهم الله-, حيث شرفوه برئاسة الحرمين الشريفين، فنعم الرجل الصالح للمكان الصالح ومهما شهدت به له فلن أوفيه حقه. رفع الله قدره ومكانته، وأعلى شأنه ومنزلته، وذريته وجميع أحبابه في الدنيا والآخرة آمين.