لا شك أن تقدير المعلم واجب على كل طالب وفرد في المجتمع، فهو الذي يقضي جل يومه في محاولة تنوير عقولنا كطلبة، لنصبح فاعلين ومنتجين ونخدم أنفسنا ومجتمعنا ووطننا العزيز، فكم من أجيال تربت على أيديهم، وأصبحت اليوم تنعم بوظائف مهمة ومرموقة في الدولة.
في الماضي كان المعلم ذاك الإنسان المحترم، إذا نطق المعلم فلا تسمع همساً!
إذا دخل المعلم يرد على تحيته بأحسن منها، وبمجرد رؤيته في مكان عام تقع هيبته في النفوس وربما يفسح له الطريق، لمَ؟ لأنه معلم هذه صور كلها من الماضي.
معلم الأمس معلم له الاحترام الأعلى في مجتمعه الذي يعيش فيه أو يدرس في مدرسته محفوظ الكرامة مقدّم على أي شخصية أخرى، أما معلم اليوم فلا كرامة له، بل شرعت أعتى القوانين وأقساها من نقل وحسم وفصل في حال ارتكب أي هفوة أو تعرض لأي طالب ولا عجب أن نطالع بشكل دوري في صحفنا حوادث الاعتداء على مربي الأجيال في مقابل صمت مطبق من الوزارة والمجتمع!
عندما يُركل المعلّم الخمسيني بقدم أحد الطلاب إلى خارج الفصل من المسؤول عن هذا؟
عندما يتكرّر تهجّم الطلاب على بعضهم البعض بالعصيّ والسكاكين والخناجر أمام طاقم المدرسة من معلمين وإداريين دون أي اعتبار لأحد، من هو السبب في ذلك؟
عندما تتدخل الدوريات الأمنية لفكّ اشتباك الطلاب الحاصل داخل المدرسة, (أقول داخل المدرسة) بعد أن أُسقط في أيدي المعلمين وتساقط ما يُغطّي رؤوسهم (إن وجد) وقد يسقط بعضهم أرضا، فمن المسؤول؟
هل هو المعلم الغارب؟ الذي قدر له أن يكون بهذه الهوية؟
أم هو الطالب الذي تُرك له الحبل على الغارب, فلم يعد هنالك ما يخشاه؟
أم تراها وزارة التربية والتعليم التي قولبت التربية والتعليم بهذا القالب؟
أم هي الأسرة والمجتمع!! فالكل يتشفى في هذا المعلم المغلوب على أمره، فهل نرجو من مثله نوالاً؟
أريد أن أتكلم بصراحة فما أوصلنا لهذا الحال هو عدم خوف الطالب من المدرس نظير خوف المدرس من الملاحقة، وبالتالي شطب مبدأ الاحترام وإذا عدنا للخلف قليلاً، وإلى أجيالنا لعرفنا إننا لا زلنا نتكلم عن الرهبة من المعلم وعن الثواب والعقاب حتى ونحن لم نبلغ من الكبر عتيًا فإننا لا زلنا إن مر معلمنا قمنا له احتراماً وتبجيلاً.
إن الأساس الأول في إصلاح العملية التدريسية هو إعادة هيبة المعلم أولا في نظر الطلاب وهذا لا يعني إطلاق يد المعلم في محاسبة الطالب على كل شاردة وواردة، إضافة إلى إحياء قدر المعلم من ناحية الأسرة.
اغرسوا في نفوس أبنائكم حبّ معلميهم واحترامهم وتقديرهم كما فعل سلفنا الصالح (رحمهم الله تعالى). هذا هارون الرشيد الذي حكم نصف العالم والذي كان يخاطب الغمام فيقول: (انطلق حيث شئت فإن خراجك سوف يأتيني)... يطلب من الإمام العالم الأصمعي أن يؤدب له ولديه وأن يعلمهما، وفي ذات يوم مر هارون الرشيد فرأى الأصمعي يغسل قدمه والذي يصب له الماء هو ابنه، ابن هارون هو الذي يصب للأصمعي الماء حتى يغسل الأصمعي قدمه!
طلب هارون الرشيد الأصمعي، وقال له: إنما طلبناك حتى تعلم ولدي وأن تؤدبهم وكان يجدر بك أن تأمر ولدي أن يصب الماء بيد وأن يغسل قدمك باليد الأخرى.
فيعود المعلم لمكانه المستحق، ويعود طلابنا إلى سابق عهدهم فيمنحوا هذا الإنسان قدره ليفيدوا منه وعندها يرتقي تعليمنا وهو هدف الجميع.
وفي دول العالم أجمع، فبجهود المعلمين اكتسب المجتمع قوته، والمعلم ليس حلقة وصل تربط الطالب بالكتابة والقراءة، وإنما وسيلة لغرس القيم والعادات والتقاليد والدين، وأساس للمستقبل، لذلك مهما قدمنا من تقدير واحترام للمعلم، نبقى عاجزين عن رد الجميل الكبير علينا.
- الأكاديمية بمدينة الملك عبدالله للطالبات