محمد آل الشيخ
الصديق والكاتب المميز والمعروف الأستاذ (عبدالله بن بجاد العتيبي) علق على السياسة الإيرانية الخارجية في عهد خامنئي بقوله : (الخامنئي يتحاشى الحروب، ويعتمد على الميليشيات والإغداق عليها، لتقوم بمهام تكريس نفوذ الفرس في المنطقة، فجاءت (عاصفة الحزم) ونسفت فيما نسفت إستراتيجية خامنئي، واكتشف الإيرانيون أن ما صرفوه على الميلشيات المُستأجرة من قبلهم، وما سوف يصرفونه لاحقاً، تفريطٌ محض بمقدرات إيران والإيرانيين؛ خاصة وأنهم يواجهون حصاراً اقتصادياً خانقاً؛ فالميليشيات ثبت بعد اليمن أنها بلا قيمة لا من حيث المردود السياسي ولا الثوري بالنسبة لمن يؤمنون بتصدير الثورة)؛ وهذا صحيح؛ فالحوثيون - مثلا - تلقوا هزيمة منكرة وقاصمة، فضلا عن أن سمعة إيران في اليمن، وقيمتها، أصبحت في الحضيض.
وما ينطبق على ميليشيا الحوثيين في اليمن، ينطبق - أيضا - على ميليشيا (حزب الله) اللبنانية، بعد أن بدا جلياً أنها تغوص في المستنقع السوري حتى أذنيها، وتتورط أكثر مع مرور الوقت، ولم تُحقق لا للأسد، ولا لإيران، أية تغيرات جوهرية من شأنها أن تنقذ النظام السوري من التدهور ومن الانهيار المرتقب. وكذلك ميليشيا (فيلق القدس) التي لم تستطع كوادرها أن تَفعَلَ في العراق فعلا يُبرر الصرف عليها، فانتصاراتها تكتنفها هالة هلامية بالغ في إبرازها إعلام الملالي، في حين أنها في الواقع منجزات هشة، وأيَّ تَغيّر في موازين القوى الإقليمية، ستجعل من هذه المنجزات المزعومة أثرا بعد عين إن كان ثمة عين فعلا.
يقولون: إيران أنفقت على (حزب الله) وميليشياته - مثلا - منذ إنشائه وحتى الآن، ما يربوا على الثلاثين مليار دولار، وهذا الرقم إذا كان دقيقا، يوازي ثلثي ديون الدولة اللبنانية برمتها؛ و أوضاع المنطقة بعد (عاصفة الحزم) تختلف عن أوضاعها قبلها؛ وهو ما سوف ينعكس بصورة سلبية على سوريا الأسد ونظامه، كذلك على ميليشيا حزب الله، بالشكل الذي يُحاصر قُدرة هذا الحزب على القيام بمهامه التي كان يضطلع بها للفرس وتكريس نفوذهم في المنطقة، حينما كان العرب عنه غافلين، ولا يُحركون تجاه نفوذه وتمدده وسطوته ساكنا.
الآن من الواضح أن العرب، وخاصة عرب الخليج ومصر والأردن، سيتصدون لإيران وأذنابها في المنطقة، ما يعني إما أن تزيد حكومة الملالي من اعتماداتها المالية وتذهب بعيدا في دعمه سياسيا لإنقاذ هذه الميليشيا من السقوط، أو تُضحي بها كما ضحت بالحوثيين في اليمن.
ملالي إيران منذ أن تجرع الخميني السُمَّ حينما وقّع على وثيقة السلام مع العراق، ومن بعدها مات مقهورا ودُفن، وهم لا يجرؤون على الدخول في حرب بعدها، وإنما يستأجرون ميليشيات من مرتزقة المنطقة، لتؤدي الدور؛ ومثل هذا التوجه ثبت الآن فشله، ولم تنقذ السمعة الإيرانية المتدهورة -والمرشحة للفشل أكثر- خطبُ المُهرِّج المُعمم «حسن نصر الله»؛ فكثير من اللبنانيين، حتى ممن كانوا يناصرون حزب الله، بدؤوا يتساءلون : وماذا إذا انهار نظام الأسد الذي يتداعى الآن، وبقيت ميليشيات حزب الله تقاتل بمفردها في سوريا؟.. فلا يجد أولئك لهم مُجيبا؛ والحقيقة التي لا يريدون أن يعترفوا بها، أنهم دخلوا في حرب دون أن يدركوا مآلاتها، وإلى أين ستقودهم في نهاية المطاف.
وفي حالة انتصار المعارضة السورية - كما تشير كل التوقعات الآن - فلن ينسى السوريون أفعال ومجازر كوادر الحزب والدماء السورية التي شاركوا في إراقتها، الأمر الذي يجعل ملاحقة حزب الله، وكوادره، قد تتجاوز الداخل السوري إلى الأراضي اللبنانية؛ وهذا ما يُقلق كل حلفاء حزب الله من أعضاء تحالف 8 آذار/ مارس في لبنان، وبالذات الجنرال الماروني «ميشيل عون» وكذلك «نبيه بري» زعيم حركة أمل الشيعية؛ فهذا يعني أن ثمة احتمالاً أن تنتقل الحرب الأهلية من سوريا إلى لبنان.
كل ما أريد قوله هنا إن إيران بسبب الحزب ومناصرته للأسد، وتدخلها المفضوح في الشأن اللبناني، جعلت لبنان فعلا على شفير حرب أهلية، وقتال عصابات، لم يستطع الحزب مواجهتها في سوريا، ولن يستطع قطعا مواجهتها حينما يُلاحق الثوار السوريون ميليشياته في لبنان.
إلى اللقاء.