محمد آل الشيخ
الصورة التي جسدتها البيعة لسمو الأمير محمد بن نايف بمبايعته ولياً للعهد، ولسمو الأمير محمد بن سلمان بمبايعته ولياً لولي العهد في قصر الحكم بالعاصمة، تعكس بصدق تماسك أفراد الأسرة المالكة مع الشعب، ووحدتهم، وتلاحمهم مع بعضهم البعض، وهي صورة تحكي الكثير، وتقول الكثير؛ فهذه البلاد الآمنة المستقرة، التي امتدت شرعية حكامها وتجذرت قرابة الثلاثمائة سنة، عصفت بها خلالها الكثير من الأحداث، والمتغيرات، والتحديات، ومع ذلك بقيت قوية شامخة راسخة، تقوم حولها الدول ثم تسقط، وتندثر، بينما هي كجبال السروات، صامدة صلبة مُشمخرة، تمر بها الأحداث، والمتغيرات، والأزمات، بل والتحديات الجسام، وفي الختام تبقى في حين أن هذه المتغيرات يطويها الزمن، ويلفها النسيان.. شرعية هذه الأسرة المالكة، وسِر بقائها، ومبعث قوتها، أن أبناءها متلاحمون متضامنون ومتحدون؛ إذا تولى زمام القيادة واحدٌ منهم، وانعقدت له البيعة الشرعية، طاعَهُ البقية، وامتثل لأوامره ونواهيه كل فرد من أفراد الأسرة؛ فطالما أنه القائد الأول، فالخير في ما يختاره، والصواب فيما وجد أن فيه الصواب.
والملك سلمان -أمد الله في عمره- معروف أنه رجل دولة من طراز نادر، علمته التجارب التي عايشها، وأثرَت حِنكته ورؤيته أنه كان منذ العشرينات من عمره، أحد صناع القرارات الكبار، أو المشاركين في صناعتها؛ وكل من عرفه، أو عمل معه، أو اقترب منه، يعرف أن الوطن، ومصلحة الوطن، واستمرار استقراره، أولوية مطلقة في قواميسه السياسية، لا يزايد ولا يُساوم عليها؛ لذلك عندما اختار محمد بن نايف ومحمد بن سلمان، ليُرسي بهما دعائم الاستمرار، ويرسخ بهما أسس الاستقرار، كان يعي ما يفعل، ويدرك أنهما خير من يحمل الراية، ويصون أمانة عبد العزيز الملك المؤسس تغمده الله بواسع رحمته.
سمو الأمير محمد بن نايف ولي العهد الجديد، مارس من التجارب، وواجهته من التحديات، وتعرض لمخاطر شخصية جمة، ومع ذلك استطاع في النهاية أن ينتصر عليها، ويتغلب على الظروف، التي عصفت بغير بلادنا، فجعلتها لا تخرج من أزمة إلا وتنتقل إلى أخرى، ولا تنتهي من معركة إلا وتنتظرها معركة أخرى، وهكذا دواليك، حتى انهارت، وسقطت، وتلاشى نظامها، وبقيت المملكة راسخة قوية، تزيد الأزمات والأحداث من جذورها تجذرا، ومن منعتها مَنعة وقوة وصلابة. ومن يتابع إنجازات محمد بن نايف، يلحظ أول ما يلحظ، أنه إنسان يعرف كيف يواجه التحديات ويتصدى لها، ويعاجلها بالفعل قبل أن تحدث في الغالب؛ ومع ذلك فهو رجل صامت، قليل الكلام والتصريحات والخطب، لأنه يعلم علم اليقين أن العبرة أولا وأخيراً بالأفعال لا بالأقوال؛ ومن يقود الأمن والأمان في فترة عصيبة تفجر فيها الإرهاب، وتأدلج، حتى أصبح عقيدة يموتون من أجلها أصحابها، وتعالت فيها أصوات الرعاع لتعلو على أصوات العقلاء، ثم ينتصر في نهاية المطاف، فكأنما هو ربان سفينة تمخر بحر مُتلاطمة أمواجه، مُتغيرة اتجاهات رياحه، ليقود السفينة، ومن في السفينة، إلى شط الأمن والأمان والاستقرار، فهذه المؤهلات، وهذه التحديات التي أسقطت دولاً، وهزت أركان دول، ونجح هو في التغلب عليها، وعرف كيف يتجاوزها، هي المؤهل الأول الذي جعل القائد المفدى الملك سلمان بن عبد العزيز، يَعهد إليه بولاية العهد، ويأتمنه على الوطن من بعده، حينما طلب منه أخوه سمو الأمير مقرن بن عبدالعزيز أن يعفيه من ولاية العهد.
أما سمو الأمير محمد بن سلمان، ولي ولي العهد الجديد، فكثيرون كانوا لا يعرفونه، ولا يعرفون إمكانياته وقدراته، ولا نزعته القيادية المتميزة، التي تتضح للحصيف من (كاريزما) شخصية آسرة، يكاد بها أن يتدفق طوله الفارع، وقسمات محياه ونظرات عينيه؛ وما إن جاء أول تحدٍ يواجهه في منصبه الجديد كوزير للدفاع، وإذا هو يبادر بالفعل ليمسك بزمام المبادرة، ويترك لمناوئي الوطن ردود الأفعال والجعجعات؛ فقرار الحرب دائماً وأبداً هو القرار الصعب لأي قائد دولة، وعندما اتخذ الملك هذا القرار الذي اضطر إليه اضطراراً، فإذا هو كالسيف الذي سله والده حينما وافق على قرار (عاصفة الحزم)، فعرف كيف يُشكل فريق عمله، وكيف يقودهم في التخطيط المتقن أولا، ومن ثم في التنفيذ المُحكم ثانيا؛ وكما هو محمد بن نايف، سلك محمد بن سلمان ذات الأسلوب، ونفس المسلك، وترك دوي العاصفة وانبهار الخارج والداخل بمنجزاتها، وما تمخض عنها من انتصارات، تُقدم لمن لا يعرف هذا الرجل، من هو وكيف يفكر وكيف يُخطط وكيف يُنفذ.. كان بإمكانه أن يدبج خطب عصماء، يُبارز فيها الفرس وأذنابهم، أبطال الهدير والجعجعات، غير أن المحك الحقيقي هو في الفعل، وفي حسن التدبير لا التنظير. كما أن من أهم ما يتميز به محمد بن سلمان أنه أخذ من والده، إضافة إلى الحزم والحسم والشجاعة والإقدام، أنه -كما قال لي أحد من يعملون معه- ملتزم بعمله ومواعيده بدقة، يحرص على إتقانه، وعلى أداء مهامه منذ الصباح الباكر ويستمر بلا كلل ولا ملل حتى ينتصف الليل؛ لا تهمه المُتع، ولا تُشغله النزوات، ولا يحفل بها، قدر ما يهمه أن يكون أهلا لما أوكل إليه من مسؤوليات جسام؛ رغم أن أقرانه من الشباب تُسيطر عليهم المُتع، و تشطُّ بهم الرغبات والصبوات.
وختاما أقول: الأوامر الملكية الأخيرة، لم تنقل الحكم من جيل الأبناء إلى جيل الأحفاد فحسب، وإنما سطرت للبعيد قبل القريب، أن هذه الأسرة المالكة الكريمة، كيان متماسك، فكما حكمها منذ أن رحل المؤسس الصالح من الأبناء، فها هو سيحكمها الصالح من الأحفاد.
أبارك لسمو الأمير محمد بن نايف بولاية العهد، ولسمو الأمير محمد بن سلمان بولاية ولاية العهد، سائلا المولى جل وعلا أن يوفقهما، ويسدد خطاهما، ويدلهما على كل ما من شأنه حفظ الأمانة، وصون الأمن والاستقرار، والأهم استمرار (التنمية) التي هي سياج الدول المعاصرة وحصنها المنيع من تغيرات الأزمان وتطوراتها.
إلى اللقاء.