الجزيرة - أسامة الزيني:
تعالت أصوات المختصين بالشأن العقاري منذ أعوام مطالبة بالالتفات إلى أراضي المنح غير المطورة، مراهنين على ما قدرتها في حال تطويرها على فك اختناق الأراضي، وبالتالي خفض أسعارها، وفتح أفق عمراني جديد، وبالتالي انفراجة كبرى أمام الباحثين عن السكن، الانفراجة التي يبدو أنها اقتربت كثيراً، بعد أمر خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز بتخصيص 20 مليار ريال لتطوير مخططات المنح في مختلف المناطق والمحافظات وتزويدها بجميع المتطلبات من كهرباء ومياه وصرف صحي وسفلتة وإنارة، الأمر الذي توقع معه مختصون أن تلعب أراضي المنح دور حصان طروادة لفك اختناق أزمة سكنية ضاغطة أرهقت المواطن وأرقته عقوداً من الزمن.
وانتظر المختصون في الشأن العقاري طويلاً حلاً لأزمة مخططات المنح قبل صدور الأمر الملكي المشار إليه، وأكدوا أن تطوير أراضي المنح سيكون كلمة السر في فك قدر غير يسير من اختناقات الإسكان، ومن هؤلاء الكاتب والخبير الاقتصادي فضل بن سعد البوعينين الذي كان أحد المتحمسين لهذا الحل، فأشار في أكثر من موضع إلى أنه «يمكن لمخططات المنح؛ الموزعة، وغير المطورة؛ أن تكون ضمن الحلول الناجعة لأزمة الإسكان».
مطلب قديم
ووضع البوعينين يده على طبيعة الأزمة بقوله: «تبعية تلك المخططات لوزارة الشؤون البلدية والقروية حالت دون تمكن «الإسكان» من تطويرها؛ في الوقت الذي لا تستطيع فيه «البلديات» توفير الاعتمادات المالية الكافية للتطوير وفق فلسفة التطوير الشامل». ورأى البوعينين أن «الترخيص بالبناء قبل استكمال الخدمات سيزيد من معاناة المواطنين الذين سيتفاجؤون حين اكتمال مشروعاتهم السكنية؛ بعدم توفر الخدمات».
وأضاف البوعينين أن «مُلاك أراضي المنح يستحقون أن يحصلوا فورا على مشروعات تطوير شاملة لمخططاتهم الحكومية التي تعاني من فوضى المشروعات المشتتة بين الوزارات؛ وهدر الميزانيات؛ وبطء التنفيذ. فهل نحظى بقرارات حاسمة لاعتماد ميزانيات استثنائية لتطوير جميع مخططات المنح في المملكة؛ وفق التطوير الشامل والعاجل».
خارج السرب
وفي الوقت الذي بلغ فيه عدد أراضي المنح التي قامت الحكومة السعودية بتوزيعها على مواطنيها خلال السنوات الماضية نحو 2.2 مليون قطعة أرض، ظل مختصون يؤكدون أن معظم هذه الأراضي يحتاج إلى التطوير.
وفي ظل تأكيد مطورين عقاريين أن مشكلة ارتفاع أسعار الأراضي في السعودية ما زالت تحبط محاولات مطوري القطاع الخاص في زيادة حجم المعروض والاستثمار في هذا القطاع، حيث يجد القطاع الخاص نفسه غير قادر على تلبية المتطلبات السعرية للشرائح المتوسطة والدنيا من المجتمع، خصوصا أنهم الشريحة الأكثر رغبة في شراء عقار، التفت الجميع إلى أراضي المنح غير المطورة التي بدت تحلق خارج سرب الحلول المطروحة على أفق أزمة الإسكان، وأشارت الدراسات إلى أنه يعتبر جميع الذكور فوق سن الـ18 عاما والأرامل من النساء مؤهلين للحصول على قطعة أرض سكنية بصرف النظر عن الدخل أو الوضع الاقتصادي، وفقا لنظام المنح الحكومي، وبذلك نتج عن هذه العملية عدد كبير من الأراضي غير المطورة لعدم توفر الموارد المالية لدى المستفيدين من أجل البناء على أراضيهم، حيث وزعت وزارة الشؤون البلدية والقروية السعودية نحو 2.2 مليون قطعة أرض بهذه الطريقة، إلا أنه لا توجد بيانات ترصد الاستخدام الفعلي لهذه الأراضي، الأمر الذي دفع مختصين إلى تأكيد أن أراضي المنح غير المطورة لا تشكل أي إضافة لمعروض الأراضي في السوق السعودية، وأنه يجب أن يكون هناك تمويل حكومي لأصحاب هذه الأراضي كي يقوموا بتطويرها، أو أن يكون هنالك تطوير حكومي مباشر، وأن شراء أراضي المنح من قبل الحكومة ليس حلا لهذه المشكلة، ما لم تطور هذه الأراضي.
بل ذهب متخصصون إلى أبعد من ذلك حين رأوا أن نظام مخططات المنح الحكومية المتبع قديماً، جزء من مشكلة السكن، حيث أربك قطاع الإسكان، وعزز من مشكلاته القائمة، مما أسفر عن أزمة إسكان طاحنة، موضحين أن هذه المخططات عملت على إيجاد منتجات عقارية وهمية، لا يستطيع أصحابها الاستفادة منها لسنوات عدة في المستقبل، لتظل مشكلة السكن قائمة رغم وفرة الأراضي الممنوحة. كما رأوا مخططات المنح الحكومية في الفترة الأخيرة عبارة عن أراض صحراوية، لا حياة فيها ولا خدمات، ورغم ذلك، يتملكها المواطن من الدولة بصكوك رسمية، ويجلس بجانبها سنوات عدة، لعل وعسى تصلها خدمات البنى التحتية، وعندما ييأس من تحقيق هذا الأمر، يعرضها للبيع بثمن بخس، فيتلقفها تجار الأراضي أصحاب البال الطويل، لعلمهم أن مستقبل هذه المخططات آت في يوم من الأيام.
لجم التضخم
ورأى عقاريون أن تسريع وتيرة تطوير أراضي المنح من شأنه لجم التضخم في أسعار الأراضي بعد سنوات من المضاربات التي أدت الى ارتفاعات كبيرة في الأسعار تجاوزت 70 في المائة، ورأى هؤلاء أن المضاربات العنيفة التى شهدها السوق العقارية في السنوات الماضية أدت الى زيادات كبيرة في الأسعار بنسبة تتراوح بين 50 إلى 70 في المائة، مؤكدين أن هذا النهج يضر بالسوق والبسطاء الراغبين في الحصول على وحدة سكنية بسيطة تحميهم من الايجارات الملتهبة. وشددوا على أهمية الشروع في تطوير أراضي المنح التى تم توزيعها منذ سنوات طويلة دون أن يتم استخدامها مشيرين إلى أهمية الشراكة بين القطاعين الحكومي والخاص في ذلك.
وأشار المختصون إلى أن سوق العقار السعودي يتميز بالتماسك لكثرة الطلب الذي تجاوز مقدرات غالبية الموظفين. واستغربوا القفزة الكبيرة في أسعار الأراضي حتى باتت تشكل أكثر من 50 في المائة من تكلفة الوحدة السكنية، مؤكدين أن هذا الأمر يشير إلى حالة من التضخم الواضح للجميع. وأكد العقاريون انعدام المصداقية عن الصفقات التي تتم بين تجار العقار، وعدوا ما يحدث في سوق العقار من تضخم بالفقاعة التي ستنفجر في النهاية، وبخاصة بعد التوجه إلى التوسع في مخططات المنح، شريطة ألا تعطى المنح إلا بعد أن تكون مطورة وصالحة للسكن حتى يستفيد منها أصحاب الدخل المحدود.
توقعات بالانخفاض
وتوقع عقاريون ومواطنون أن تنخفض أسعار العقار بشكل كبير خلال الفترة المقبلة بعد أن أمر خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز تخصيص 20 مليار ريال لتطوير مخططات المنح في مختلف المناطق، متفائلين بأن الأمر الملكي الكريم سيسهم في توفير الأراضي المطورة والجاهزة للسكن في مختلف المناطق مما سيجعل العرض أكثر من الطلب وبالتالي انخفاض الأسعار، وأن هذه هي البداية الحقيقية لتصحيح أوضاع العقار وعودة الأسعار إلى سابق عهدها قبل 15 سنة أو أكثر.
وأكد المختصون أن بداية تصحيح فقاعة أسعار العقار بدأت تأخذ وضعها الطبيعي، حيث من المتوقع أن يسهم الأمر الملكي الكريم في تراجع أسعار العقار بنسبة قد تصل إلى 80% لعدة أسباب منها أن الأراضي الجاهزة للسكن ستكون متوفرة وبالتالي زيادة العرض عن الطلب مما سيؤدي إلى تراجع الأسعار لا محالة، والقضاء على احتكار بعض العقاريين للأراضي ورفع الأسعار دون مبرر مما أدى إلى عدم قدرة الكثير على التملك سواء في الأراضي أو المنازل.